تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا التعريف ينفي انتفاء استفادة الناس من البرمجة وفي ذات الوقت يعترف بقدرة الإنسان على بلوغ هدفه القيمي والأخلاقي في الحياة بنجاح من دون أن يلجأ إلى البرمجة. ولذلك كانت البرمجة، وخاصة النمذجة فيها، اصلها مستنبطة من معايرة سلوك المتفوقين والناجحين في بعض جوانب حياتهم كفرجينيا ساتير وميلتون وغيرهم ولم تأت البرمجة بشيء غير ما ينبغي ويفترض أن يكون في طبيعة النفس البشرية من وسائل محققة لتفوق معين لا التفوق المطلق. ولذلك فالذي عرف نفسه ورغباته وحققها من دون دراسة البرمجة أكمل وأفضل من ناحية السبق والتقدم والرتبة (لا من حيث الأصل) ممن لم يعرف نفسه وأهدافه وقيمه إلا بعد دراسة البرمجة. ولذلك تجد من الناس من لم تضف له البرمجة شيئا في حياته لأنه بفضل من الله قد عرف نفسه وقدراته واهدافه من قبل وتجد من الناس من يتفاجأ بفائدة البرمجة لأنها ساعدته على "اكتشاف نفسه" و "معرفة قدراته" التي لم يكن يدري عنها قبل ذلك فيظن هذا الأخير أن الناس كلهم مثله من حيث الاحتياج لها فيهرع إلى كل الناس يبشرهم بالفائدة المدهشة للعلم الجديد. ومن هنا يتبين لنا نسبية فائدة هذا العلم (إن شئتم أن نسميه علماً أو فناً أو غيره) للناس الذين يباشرونه. كما أن الناس يتفاوتون من حيث استفادتها من هذا العلم فيكون من يستفيد منه استفادة بالغة ممن يروج للبرمجة ضمن دائرة الضروريات ومن استفاد منه استفادة متوسطة يروج له ضمن دائرة الحاجيات ومن استفاد منه استفادة ترفية سطحية أو قل استفادة قليلة يروج له ضمن دائرة التحسينيات وعليه فأنصح إخواني من بعض مدربي البرمجة ألا يروجوا للبرمجة وكأنها لا تنتمي إلا لدائرة الضروريات أو الحاجيات كما أنصح، بالمقابل، بعض إخواني ممن لم يقف على حقيقتها ألا يحصروا البرمجة ضمن دائرة التحسينيات فحسب هكذا على الإطلاق لأن كل بحسبه ولكل مقام مقال.

تنبيه: ولكن تبقى مسألة جوهرية هنا وهي ضرورة التنبه إلى أن البرمجة وإن كانت تتعامل مع القيم والمعتقدات الإنسانية فإن هذا التعامل لا يعني اعتباطاً أن البرمجة تدعو إلى فكر معين أو توجه المستفيد إلى قيم أو معتقدات معينة (كالحداثة، والوجودية، والنسبية وإن كانت النسبية موجودة في بعض فرضياتها وخاصة فرضية "الخارطة ليست هي الحقيقة" مثلاً) وإنما تبين (أي البرمجة) وتشرح للمستفيد عمليا ونظريا كيف أن تغير القيم والمعتقدات له أعظم التأثير على سلوك النفس البشرية وهي تشرح ذلك على نحو ممنهج في معايير مفهومة يستفيد منها الشخص العادي "لمساعدته" على تغيير معتقداته وقيمه السلبية عن نفسه أولاً والعالم من حوله ثانياً، وهي في نظري من محاسن البرمجة مادام أنها على تلك الحال .. أي لا تدعو لقيم أو معتقدات معينة.

ولكن المسألة الخلافية المتبقية هي استقلال البرمجة عن توضيح معيارالخطأ والصواب والحق والباطل والشر وخير، والبعض يعتبرهذه مزية لها من باب قولنا بالعامية:"كثر الله خيرها إنها كذا .. لا تدعو إلى فكر أو اعتقاد .. أقل شي أحسن من بعض التيارات الوافدة". والبعض يعتبرها إشكالية لأنها لا تدعنا على البيضاء ليلها كنهارها، لأنها لا تهتم بطبيعة الفرقان الفاصل بين الشر والخير وما هو نافع وما هو ضار، لأنها تقول ما هو صواب عندك ولو اعتقدت أنه أصاب كبد الحقيقة قد يكون عندي هو من أعظم الخطأ والشطط ... مجانباً للحقيقة مجانبة تامة، ولذلك تكثر في مناقشات بعض المتخرجين من مدرسة البرمجة لخصومهم عبارات مثل:"لا يلزمني أن اوفقك لأن هذا فقط مجرد ما تراه أنت .. وما تظنه أنت ... إنما هي خارطتك الذهنية عن هذا الموضوع".

وهذا في رأيي يعبر عن حالة الكبت التي كان يعاني منها بعض الناس قبل قدوم البرمجة فلما جاءت البرمجة بهذا الأسلوب الزئبقي لتفادي قبول آراء الطرف الآخر وجد بعض دارسيها متنفسا مريحا و "مسرح عمليات" فسيح يردون به كل الآراء التي لا تروق لهم ويصادرون بها كل الأفكار اللتي لا تتماشى مع "خارطتهم الذهنية!! ". ولكنها والحق يقال فرضية جميلة متى ما فهمت فهماً صحيحا وطبقت وبحكمة لأنها "تساعد" على فتح آفاق التفكير وزيادة درجة التسامح وكسر خوذة العبودية لآراء المخلوقين مادامت هذه الآراء غير مستندة إلى أصول الدين ومسائله المعلومة منه بالضرورة كتابا وسنة ... أي أننا نستطيع أن نعتبرها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير