تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التغيير ورهبة مواجهة الجديد إلى غير ذلك من العبارات المسكنة. ولكن هذا تصرف أقرب ما يكون من دس النعامة رأسها في الرمل دون النظر في المشكلة وتحليليها كما يبنغي. الآن لدينا إنسان يتعامل مع قيمه ومعتقداته وسلوكه مفهومان مختلفان: البرمجة والشريعة، ومختلفان لأننا جميعا نتفق أنه لا يمكن أن تكون البرمجة كالشريعة في تعاملها مع نفس المستوى المنطقي للقيم والمعتقدات وإلا وقعنا في إشكال آخر. ولذلك يهرع بعض مدربي البرمجة إلى ضرب الأمثال والقياسات التي لا تصح لكي يحلوا هذه المعضلة فيقول أحدهم:" إن البرمجة ما هي إلا علم كسائر العلوم المفيدة التي وفدت علينا من الغرب: كالفيزياء والكيمياء والهندسة أخذناها من الغرب لنستفيد منها فلماذا ترفض يا هذا البرمجة وتقبل سائر العلوم مع انها من معين واحد؟ "

الجواب: لا شك أنها من معين واحد وأن لكل منها فائدته ولكن المسألة التي يغفل عنها كثيرون هي ان الفيزياء والكيمياء والهندسة وما شابهها لا تتعامل مع مستوى القيم والمعتقدات والسلوك وإنما تتعامل مع العلم المادي المستقل عن النفس البشرية بل حتى الطب البشري نفسه على قربه من النفس فإنه لا يتعامل مع معتقدات النفس وقيمها وسلوكها وإنما يتعامل مع الأعضاء والعمليات الجراحية والأدوية الحسية المادية والتي هي مباحة بنصوص الشرع أم البرمجة فإنها تتعامل مع القيم الباطنية والمعتقدات التي تتحكم في سلوك النفس البشرية إذاً هي تتعامل مع ذلك المستوى المنطقى العلوي الذي تباشره الشريعة متمثلة في القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولكن بعض مدربي البرمجة يرد على هذا الإشكال فيقول:"صحيح أن كلاهما يتعاملان مع مستوى القيم والمعتقدات والسلوك ولكن البرمجة ما هي إلا وسيلة أو سبب من الأسباب لا غاية من الغايات وبما أنها كذلك فقد أمرتنا الشريعة بالأخذ بالأسباب كما يأخذ المريض الدواء ليشفى وهكذا؟ " ولكن هنا إشكال آخر وهوتشبيه البرمجة بالأسباب الحسية كالدواء والحركة والأخذ والعطاء وغير ذلك وهذا مستوى منطقي مختلف لأن البرمجة كما ذكرت لكم تباشر قيم المرء ومعتقداته وتصوراته المجردة عن الحياة ليقوم نتيجة ذلك ببلورتها على نحو حسي سلوكي. ولذلك فإن أخذ الدواء الحسي (البنادول مثلاً) لا يمكن أن يتقبله الشخص إذا كان عنده "اعتقاد" سلبي عن هذا الدواء فالبرمجة تتعامل مع هذا الإعتقاد السلبي لتزيله لكي يأخذ الإنسان بدوره هذا العلاج، أرأيتم الفرق واختلاف المستويات؟ وقس على ذلك أموراً كثيرة في الحياة. فالخوف كل الخوف والمحذور كل المحذورأن تصبح البرمجة بتقنياتها ومفاهيمها توجهاً مسيطراً على حياة الفرد المسلم فيقل الإيمان والعمل بقوله تعالى:"هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين" وإذا حصل ذلك وكل الله الإنسان إلى نفسه. واعظم خطرا من ذلك أن يتعاطى الإنسان البرمجة ثم يجعلها البوصلة التي تسيره في الحياة وأخطر منه أيضا أن يغتر الإنسان بنفسه ويظن أن لا ملجأ ولا منجا من البرمجة إلا إليها، قال تعالى:"إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" ولذلك فشعور الإستغناء عن تسديد الله وهدايته وتوفيقه وعدم التوكل عليه والإعتراف بالضعف قد يكون استدراجا للعبد من حيث لا يعلم.

والمقصود هنا أيها الأفاضل ليس إلغاء البرمجة من قاموس الوجود أو حتى الدعوة إلى حظرها مخالفا بذلك القاعدة التي وضعتها في أول المقال بشأن العلوم الدنيوية ولكن المقصود تعاطيها بحكمة وتمحيص ولو سأل المرء ربه خيرها وتعوذ من شرها و سأله أن يجعلها معينة له على فعل الخير واجتناب الشر لكان حسناً. أعطيكم مثالاً يبين تعامل كل من البرمجة والشريعة مع نفس المستوى المنطقي للنفس وهو حالة الحسد التي تعتري الإنسان. هناك وسيلة برمجية مثل مساعدة الشخص على الإنفصال عن الذات ومعالجة المعتقدات السلبية ولكن الشريعة أيضاً وضعت دعاء الله تعالى وسؤال العافية وقول:"ما شاء الله لا قوة إلا بالله". فالمحذور مثلا أن يصبح ديدن الإنسان بعد تعلم البرمجة اللجوء المستمر إلى "نفسه" لتحقيق الإنفصال إلى موقع المراقب ومحاسبة النفس وتقويمها ذاتياً والإهمال التدريجي في التعبد لله بانتهاج النهج الشرعي وذلك أن النهج الشرعي ليس وسيلة أو سبب مجرد وعادي كوسيلة البرمجة وإنما هو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير