ـ[أبي الأنوار]ــــــــ[17 - 07 - 07, 01:05 م]ـ
جزاك الله خيرا.
ـ[المرزوقي ح]ــــــــ[20 - 07 - 07, 05:34 م]ـ
ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي الجزء الأول.
ترجمة عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللّه بن معبد بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، الشريف أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي العباسي:
وآخر ذلك كله: فتنة ابن القشيري، قام فيها الشريف قيامًا كليًا، ومات في عقبها.
ومضمون ذلك: أن أبا نصر بن القشيري ورد بغداد، سنة تسع وستين وأربعمائة، وجلس في النظامية. وأخذ يذم الحنابلة، وينسبهم إلى التجسيم. وكان المتعصب له أبو سعد الصوفي، ومال إلى نصره أبو إسحاق الشيرازي، وكتب إلى نظام الملك الوزير يشكو الحنابلة، ويسأله المعونة. فاتفق جماعة من أتباعه على الهجوم على الشريف أبي جعفر في مسجده، والإيقاع به، فرتب الشريف جماعة أعدهم لرد خصومه إن وقعت. فلما وصل أولئك إلى باب المسجد رماهم هؤلاء بالآجر. فوقعت الفتنة، وقتل من أولئك رجل من العامة، وجرح آخرون، وأخذت ثياب.
وأغلق أتباع بن القشيري أبواب سوق مدرسة النظام، وصاحوا: المستنصر بالله، يا منصور- يعنون العُبَيدي صاحب مصر- وقصدوا بذلك التشنيع على الخليفة العباسي، وأنه ممالىء للحنابلة، لا سيما والشريف أبو جعفر ابن عمه.
وغصب أبو إسحاق، وأظهر التأهب للسفر. وكاتب فقهاءُ الشافعية نظام الملك بما جرى، فورد كتابه بالامتعاض من ذلك، والغَضَب لتسلط الحنابلة على الطائفة الأخرى. وكان الخليفة يخاف من السلطان ووزيره نظام الملك ويداريهما.
وحكى أبو المعالي صالح بن شافع، عن شيخه أبي الفتح الحلواني وغيره، ممن شاهد الحال: أن الخليفة لما خاف من تشنيع الشافعية عليه عند النظام أمر الوزير أن يجيل الفكر فيما تنحسم به الفتنة. فاستدعى الشريف أبا جعفر بجماعة من الرؤساء منهم ابن جردة، فتلطفوا به حتى حضر في الليل، وحضر أبو إسحاق، وأبو سعد الصوفي، وأبو صر بن القشيري. فلما حضر الشريف عظَّمه الوزير ورفعه، وقال: إن أمير المؤمنين ساءه ما جرى من اختلاف المسلمين في عقائدهم، وهؤلاء يصالحونك على ما تريد، وأَمَرهم بالدنوّ من الشريف. فقام إليه أبو إسحاق، وكان يتردد في أيام المناظرة إلى مسجده بدرب المطبخ، فقال: أنا ذاك الذي تعرف، وهذه كتبي في أصول الفقه، أقول فيها: خلافًا للأشعرية، ثم قبل رأسه.
فقال له الشريف: قد كان ما تقول، إلاَ أنك لما كنت فقيرَاً لم تُظهِر لنا ما في نفسك، فلما جاء الأعوان والسلطان خواجا بُزُرْك- يعني النظام- أبديتَ ما كان مخفيًا.
ثم قام أبو سعد الصوفي، فقبّل يد الشريف، وتَلطف به، فالتفت مغضباً وقال: أيها الشيخ، إنّ الفقهاء إذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم فيها مدخل، وأَما أنت: فصاحبُ لهو وسَماع وتعبير ممَنْ، زاحمك على ذلك حتى داخلتَ المتكلمين والفقهاء، فأقمتَ سوق التعصب.
ثم قام ابن القشيري- وكان أقلَّهُم احترامًا للشريف- فقال الشريف: من هذا. فقيل: أبو نصر بن القشيري، فقال لو جاز: أن يشكر أحد على بدعته لكان هِذا الشاب لأنه باد هنا بما في نفسه، ولم ينافقنا كما فعل هذان. ثم التفت إلى الوزير فقال: أي صلح يكون بيننا. إنما يكون الصلح بين مختصمين على ولاية، أو دنيا، أو تنازع في ملك. فأما هؤلاء القوم: فإنهم يزعمون أنَّا كفار، نحن نزعم أن من لا يعتقد ما نعتقده كان كافراً، فأيُّ صلح بيننا. وهذا الإمام يصدع المسلمين، وقد كان جدَاه- القائم والقادر- أَخرجا اعتقادهما للناس، وقرىء عليهم في دواوينهم، وحمله عنهم الخراسانيون والحجيج إلى أطراف الأرض، ونحن على اعتقادهما.
وأنهى الوزير إلى الخليفة ما جرى، فخرج في الجواب: عرف ما أنهيته من حضور ابن العم- كَثر اللّهُ في الأولياء مثلَه- وحضور من حضر من أهل العلم. والحمد لله الذي جمع الكلمة، وضم الألفة، فليؤذن للجماعة في الانصراف، وليقل لابن أبي موسى: إنه قد أفرد له موضع قريبٌ من الخدمة ليراجَع في كثير من الأمور المهمة، وليتبرك بمكانه.
فلما سمع الشريف هذا قال: فعلتموها.
فحُمل إلى موضع أفرد له بدار الخلافة. وكان الناس يدخلون عليه مدة مديدة. ثم قيل له: قد كثر استطراق الناس دار الخلافة، فاقتصر على من تُعين دْخوله، فقال: ما لي غرض في دخول أحد عليّ. فامتنع الناس.
ثم إن الشريف مرض مرضًا أثر في رجليه فانتفختا. فيقال: إن بعض المتفقِّهة من الأعداء ترك له في مداسه سمًا. والله تعالى أعلم.
ثم إن أبا نصر بن القشيري أُخرج من بغداد، وأُمر بملازمة بلده لقطع الفتنة وذلك نفي في الحقيقة.
قال ابن النجار: كوتب نظام الملك الوزير بأن يأمره بالرجوع إلى وطنه، وقطع هذه الثائرة، فبعث واستحضره، وأَمرَه بلزوم وطنه، فأقام به إلى حين وفاته.
قال القاضي أبو الحسين: أخذ الشريف أبو جعفر في فتنة أبي نصر بن القشيري، وحُبِس أياماً، فسَردَ الصوم ما أكل لأحد شيئاً.
قال: ودخلتُ عليه في تلك الأيام ورأيتُه يقرأ في المصحف، فقال لي: قال الله تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَاَلصَّلاَةِ" البقرة: 45، تدري ما الصبر? قلت: لا، قال: هو الصوم. ولم يفطر إلى أن بلغ منه المرض، وضج الناس من حبسه. وأُخرج إلى الحريم الطاهري بالجانب الغربي فمات هناك
¥