تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أورد الفلاسفة أقوى حججهم على قدم العالم وقد اعتمدوا فيه على سؤال من قال بحوادث لها أول عن اختصاص وقت إيجاد الممكن المتساوي دون الوقت الآخر.

وسواء قيل إن كل ما لا بد منه في كونه تعالى مؤثرًا في إيجاد الممكن كان حاصلاً في الأزل أو ما كان حاصلاً في الأزل؛ فقد وصلوا على التقديرين إلى أن القول بحوادث لها أوّل يلزم منه إما التسلسل في العلل أو في تماماتها وهو محال باتفاق.

أو يلزم منه ترجيح أحد طرفي الممكن المتساوي من غير مرجّح، وهو محال.

وقد قال الرازي في الأربعين إنّ هذا الدليل هو العمدة الكبرى للقوم.

ثم شرع في ذكر المسالك ـ (وهي ستّة) ـ التي ردّ بها المتكلمون على هذه الشبهة، وضعّفها كلها!

ثم ذكر ردًّا سابعًا متناقضًا، وليس هذا موضع بيان ذلك.

لكنّ مقصودي أنّ الرازي ذكر فيما ذكره الوجه الخامس وهو:

أن العالم قبل ذلك ما كان ممكنًا، بل كان ممتنعًا، ثم انقلب ممكنًا في ذلك الوقت!

وقولك أخي الفاضل:

أما كونه مستحيلا أن يقع في الأزل فهو من الاستحالة العرضية لا الذاتية، ولا يضر انقلاب المستحيل العرضي إلى الممكن.

فغير صحيح، بل هو ظاهر الخطإ، ولعلك إن تأمّلتَه عرفتَ ما أقول لك.

ففرض مسألة المتكلمين هي الجواب على سؤال هو:

واجب الوجود حيث لا شيء معه ولا شيء غيره، إذا أوجد الممكن، فما الذي اختص هذا الوقت دون غيره بإيجاد أوّل حادث؟

فإذا قال بعض المتكلمين إن العالم كان ممتنعًا فانقلب ممكنًا في ذلك الوقت؛ فهم بالضرورة والاتفاق لا يعنون الممتنع العرضي، لأن الله تعالى بالاتفاق لا يتوقّف إبداعه للممكن على غير ذاته المتصفة بالكمال أصلاً.

فأي ممتنع عرضيّ؟؟

إنهم يريدون به الممتنع الذاتي، فقولهم هو في الحقيقة قول بانقلاب الحقائق المحال.

وعلى كل حالٍ هذا فهم حذاق المتكلمين لقول بعضهم.

فقد بيّن الرازيّ نفسه ضعف هذا القول من المتكلمين، ثم نقضه تفصيلاً على لسان الفلاسفة فقال فيما قال: (أن هذا يقتضي أن يقال: إنه كان ممتنع الوجود لذاته قبل أن يوجد ثم انقلب ممكنًا ... )

ثم أكّد ذلك بالوجه الثاني من الرد على قول المتكلمين فقال:

(إن حال الماهية من حيث هي هي لا يختلف، فإذا ثبت كونها قابلة للوجود في بعض الأوقات، ثبت انها من حيث هي هي قابلة للوجود أبدًا، فكانت ممكنة أبدًا ... )

وكل ذلك يؤكّد لك أن مراد من قال بذلك من المتكلمين هو الامتناع الذاتي لا العرضي ..

وأما قولك: (ولا يضر انقلاب المستحيل العرضي إلى الممكن)

فأنت تعلم إن شاء الله أن هذا ليس انقلابًا في الحقيقة، فإن المستحيل العرضي هو ممكن ذاتيّ، بخلاف فهم الرازي لقول أصحابه.

ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[05 - 08 - 07, 09:31 م]ـ

الحمد لله وحده ...

لا أعلم من قال من المتكلمين أن العالم كان مستحيلا فصار ممكنا، سيما إذا علمت أن المستحيل يراد به ما يلزم من فرض وقوعه محال، فالقول بذلك جهالة محضة لا تليق بالمتكلمين، فالعالم واقع ولم يلزم منه أي محال ...

إنما يكون قولك صحيحًا لو قالوا إن العالم ممتنع قد وُجد، وهم لم يقولوا ذلك، بل قالوا إن العالم كان ممتنعًا ثم ما وُجد إلا بعد أن انقلب ممكنًا.

فالعالم ـ على قولهم ـ ما وُجد إلا وهو ممكن ذاتي، وقد انقلب من ممتنع ذاتي.

وعلى كل حال هذه أيضًا جهالة وإن كانت أدون من الأخرى.

ـ[أبو الحسن التلمساني]ــــــــ[05 - 08 - 07, 10:13 م]ـ

شكرا لك على البحث والإجابة ...

فإذا قال بعض المتكلمين إن العالم كان ممتنعًا فانقلب ممكنًا في ذلك الوقت؛ فهم بالضرورة والاتفاق لا يعنون الممتنع العرضي، لأن الله تعالى بالاتفاق لا يتوقّف إبداعه للممكن على غير ذاته المتصفة بالكمال أصلاً.

فأي ممتنع عرضيّ؟؟

قولك: بالضرورة والاتفاق، فيه من المبالغة ما لا يخفى ...

ثم يمكن أن يكون جوابهم: المانع من وجود العالم أزلا عدم تعلق الإرادة بإيجاده فيه. بل تعلقت بتركه على عدمه الأصلي ... وهذا لا يقلب حقيقة العالم من الامتناع الذاتي إلى الإمكان لكون امتناع وجوده أصلا ليس ذاتيا وإلا لم يقبل الوجود فيما لا يزال لأن إرادة الله تعالى وقدرته لا تتعلق بإيجاد الممتنع لذاته كما لا تتعلق بإيجاد شريك له في الألوهية سبحانه، ودليل كون العالم لم يكن ممتنعا ذاتيا مشاهد بالعيان وهو وجوده الآن، وهذه قضية لا يطلب عليها دليل لوضوحها ...

أما قولك أخي الكريم: واجب الوجود حيث لا شيء معه ولا شيء غيره، إذا أوجد الممكن، فما الذي اختص هذا الوقت دون غيره بإيجاد أوّل حادث. انتهى

الجواب: المخصص هو تعلق إرادته على وفق علمه تعالى .. فاندفع الإلزام المذكور وهو لزوم الترجيح من غير مرجح، فالمرجح على ذلك هي الإرادة التي من صفات نفسها ترجيح وجود العالم فيما لا يزال على وجوده في الأزل ..

وترك إيجاد العالم في الأزل ليس من التعطيل في شيئ وإلا كان ترك إيجاد ما يوجد مستقبلا - قياسا على ذلك - من التعطيل، ولا قائل بذلك ... فكما لا يلزم من عدم إرادة الله تعالى إيجاد زيد غدا تعطيل لا يلزم ذلك في أول مخلوق ... فتأمل في ذلك ...

والحاصل أن الإرادة الإلهية كما خصصت إيجاد بعض الموجودات متقدمة على بعض وبعضها متأخر، وليس للمخلوقات مدخل في ذلك، كذلك خصصت إبقاء جميع المخلوقات على عدمها الأصلي في الأزل، يعني أنها تعلقت تعلقا تنجيزيا قديما بإبقاء المخلوقات على العدم، وذلك في حد ذاته نوع تأثير فلم يلزم تعطيل عن الفعل أزلا ... وكما لا يقال: لم أوجد الله تعالى بعض المخلوقات متقدمة على بعض وبعضها متأخر على بعض، لا يقال لم أبقى الله المخلوقات على العدم في الأزل ولم يوجدها فيها .. فكل ذلك من تخصيصات الإرادة الإلهية الأزلية، وكل ذلك أيضا من سر القدر ...

والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير