فالجواب: أن كونه ممنوعا ابتداء لا ينافي وقوعه بعد الإيقاع , ويدل له ما سيأتي قريبا عن ابن عمر لمن سأله: وإن كنتَ طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك , وعصيت له فيما أمرك من طلاق امرأتك , ولا سيما على قول الحاكم: إنه مرفوع , وهذا ثابت عن ابن عمر في الصحيح ,ويؤيده ما سيأتي إن شاء الله قريبا من حديثه المرفوع عند الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (كانت تبين منك وتكون معصية) ويؤيده ما سيأتي إن شاء الله عن ابن عباس بإسنادٍِ صحيح أنه قال لمن سأله عن ثلاث أوقعها دفعة: إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا, عصيت ربك , وبانت منك امرأتك.وبالجملة فالمناسب لمرتكب المعصية التشديد لا التخفيف بعد الإلزام (
قال الشيخ رحمه الله تعالى عند قول الحق سبحانه {إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القوم قرحٌ مثله}
قال:
فإن قيل: ما وجه الجمع بين الإفراد في قوله (قرحٌ مثله) وبين التثنية في قوله (قد أصبتم مثليها).
فالجواب والله تعالى اعلم: أن المراد بالتثنية قتل سبعين , وأسر سبعين يوم بدر, في مقابلة سبعين سوم أحد كما عليه جمهور العلماء.
والمراد بإفراد المثل: تشبيه القرح بالقرح في مطلق النكاية والألم, والقراءتان السبعيتان في قوله {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرحٌ مثله} بفتح القاف وضمها في الحرفين معناهما واحد , فهما لغتان كالضَّعف والضُّعف.
وقال الفراء: القرح بالفتح الجرح وبالضم ألمه. اهـ
ومن إطلاق العرب القرح على الجرح قول متمم بن نويرة التميمي:
قعيدك ألاَّ تُسمعيني ملامةً ............... ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا (
قال الشيخ رحمه الله عند قول الحق تعالى {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}
تنبيه: فإن قيل عموم قوله تعالى (إلا ما ملكت أيمانكم) لا يختص بالمسبيات بل ظاهر هذا العموم أن كل أمة متزوجة إذا ملكها رجل آخر فهي تحل له بملك اليمين , ويرتفع حكم الزوجية بذلك الملك, والآية وإن نزلت في خصوص المسبيات كما ذكرنا فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب؛؛
فالجواب: أن جماعة من السلف قالوا بظاهر هذا العموم فحكموا بأن بيع الأمة مثلاً يكون طلاقا لها من زوجها أخذا بعموم هذه الآية , ويروى هذا القولُ عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب والحسن ومعمر كما نقله عنهم ابن كثير وغيره.
ولكنَّ التحقيق في هذه المسألة هو ما ذكرنا من اختصاص هذا الحكم بالمسبية دون غيرها من المملوكات بسبب آخر غير السبي , كالبيع مثلاً وليس من تخصيص العام بصورة سببه , وأوضح دليل في ذلك قصة بريرة المشهورة مع زوجها مغيث.
قال ابن كثير في تفسير هذه الاية:بعد ذكره أقوال الجماعة التي ذكرنا في أن البيع طلاق ما نصه (وقد خالفهم الجمهور قديما وحديثاً فرأوا ان بيع الأمة ليس طلاقا لها , لأن المشتري نائب عن البائع , والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنه, واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما , فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء فاختارت الفسخ , وقصتها مشهورة فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء ما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم , فلما خيرها دل على بقاءالنكاح وأن المراد من الآية المسبيات فقط.والله أعلم اهـ منه بلفظه.
فإن قيل: إن كان المشتري امراةلم ينفسخ النكاحُ لأنها لا تملك الاستمتاع ببضع الأمة بخلاف الرجل , وملك اليمين أقوى من ملك النكاح كما قال بهذا جماعة, ولا يرد على هذا القول حديث بريرة.
فالجواب: هو ما حرره العلامة ابن القيم رحمه الله وهو أنها إن لم تملك الاستمتاع ببضع أمتها فهي تملك المعاوضة عليه وتزويجها وأخذ مهرها وذلك كملك الرجل وإن لم يستمتع بالبضع.
فإذا حققت ذلك علمت أن التحقيق في معنى الاية (والمحصنات من النساء) أي المتزوجات (إلا ملكت أيمانكم) بالسبي من الكفارفلا منع في وطئهن بملك اليمين بعد الاستبراء , لانهدام الزوجية الأولى بالسبي كما قررنا , وكانت أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها متزوجة برجل اسمه مسافع فسبيت في غزوة بني المصطلق وقصتها معروفة.
قال ناظم قرة البصار في جويرية رضي الله عنها:
¥