تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قيل قد صحح الإمام الدارقطني طريق ابن جريج وقال: (كلهم ثقات). () وصححها أيضا الإمام الذهبي في مختصر الجهر بالبسملة ()؛ وصححها النووي () فالجواب من صححها لم يذكر عند التصحيح الطريق الأخرى للرواية فصححها بظاهر سندها، ولكن من أعلها كالترمذي ذكر الطريقين وبين وجه الترجيح بينهما، ولذا ليس في كلام كل من الدارقطني والذهبي، والنووي إشارة إلى طريق الليث ومخالفته لابن جريج ولولا ذلك ما نزل الحديث عن رتبة الصحيح فتبين بهذا أن هذه الطريق المشتملة على اللفظ الذي استدل به معلولة بطريق الليث كما ذكر الترمذي كما تقدم. فالحديث حسن من طريق الليث وضعيف من طريق ابن جريج و طريق نافع الجمحي أحسن من طريق ابن جريج لكن خالفه الليث وهو إمام فزاد في الإسناد رجلا ولم يشك أنه عن أم سلمة. وقال ابن الجزري رحمه الله: (هو حديث حسن وسنده صحيح). () فلم يقل هو حديث صحيح مع احتفاله بمسألة الوقف على رؤوس الآي ().

معنى الحديث

جعل علماء الوقف وغيرهم هذا الحديث أصلا في باب الوقف على رؤوس الآي () وفيه ما قد ذكرت من العلل، والاختلاف في ألفاظه، ولكن الحديث بمجموع ألفاظه وطرقه إنما يدل على التأني والترسل والتمهل في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مستفاد أيضا من وصف أنس لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: (كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم) (). وقد أمر الله تعالى نبيه أن يرتل القرآن فقال:

(ورتل القرآن ترتيلا). () قيل في معناها:بينه تبيينا () وترسل فيه ترسلا (). وذلك أدعى لفهم القارئ ولفهم المستمعين وهو المقصد الأعظم من إنزال القرآن فما أنزل الله كتابه على عباده إلا ليتدبروه ويتفهموا مراد الله تعالى ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأه كما وصف أنس وكما أخبرت أم سلمة:

(قراءة مفسرة حرفا حرفا). وفي الرواية الأخرة ذكر الراوي الترسّل. فكان صلى الله عليه وسلم يقرأه كما أمره ربه تعالى:

(وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) () قال مجاهد وغيره على تؤدة ().

وهذا ما جعل أكثر السلف يفضلون القراءة المتأنية المترسلة، فثبت أن مجاهدا رحمه الله تعالى سئل عن رجلين أحدهما قرأ البقرة وآل عمران والآخر قرأ البقرة قيامهما واحد وركوعهما وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ:

(وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث)).

رواه ابن المبارك في الزهد () و أبوعبيد في فضائل القرآن () وابن أبي شيبة وغيرهم (). و ثبت أن أبا جمرة الضبعي قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث. قال: (لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول). رواه أبو عبيد وغيره (). و في الأخبار الثابتة: أن عمر رضي الله عنه: قرأ في صلاة الفجر بسورة يوسف والحج قراءة بطيئة. رواه مالك وغيره. () وكان بعض الصالحين من السلف معروفا ببطء القراءة ومن هؤلاء الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: فقد كان يقرأ: (قراءة حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا) (). فهذه الآثار وغيرها تبين معنى الحديث وتدل على استحباب الترتيل.

قال: الإمام محمد بن الحسين الاجري: (والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبره أحب إلي من كثير من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه، فظاهر القرآن يدل على ذلك والسنة وأقوال أئمة المسلمين) اهـ ().

والكلام في الترتيل والحدر وبيان ما قاله العلماء في هذه المسألة ليس هذا موضعه. وإنما المقصود بيان على أن الأحاديث والآثار دلت على فضل الترتيل وأنه أفضل من الإسراع في القراءة وهو مذهب معظم السلف والخلف ().

فألفاظ الأحاديث يبين بعضها بعضا، وبخاصة مع تجوز الرواة في رواية الأحاديث بالمعنى فمتى ما جُمعت طرق الأحاديث تبين بالنظر فيها علل الأحاديث واتضحت معانيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير