هذا بالنسبة للبحث والتنقيب في الأرض. أما الأجرام العلوية فأنى لهم اكتشاف حقائقها بهذه المناظير التي غايتها مسافات قريبة لا نسبة لها والأبعاد التي بينهم وبينها. فهذا النظر والرصد لا يحصلون منه إلا على الزيادة في الضلال، ولذلك جاءوا بنتائج هي أعظم خطأ وأشد خطرا من زعمهم تسلسل الإنساء من القرد. فبواسطة هذه المناظير أنكروا وجود السماوات السبع المبنية وما فوقها، وازدادوا ضلالا في إنكار وجود الرب سبحانه، وهذا هو مراد إبليس منهم بهذه الشيطنة، وليتخذهم وسيلة لإضلالنا.
ولقد جاء ذلك كله نتيجة اعتقادهم دوران الأرض. وقد كتب في ذلك من سبر حقيقة أمرهم وما آلت إليه حالهم بعد اعتقادهم دوران الأرض وما تبعه.
قال: كان من آثار القول بأن الأرض تدور حول الشمس: أن اعتبرت الدول الأوربية كل الذي عاش فيه الإنسان من تطلعه الدائم إلى السماء، وربط مصيره بيوم القيامة، ورجوعه إلى الله، والوعد والوعيد، والجنة والنار، هو من أوهام العقل وترهاته في طفولته، وأصبحت الصيحة التي تمثل الحضارة والمدينة الحديثة هي تحطيم الآمال عن التعلق بالحياة الآخرة، والإخلاد إلى الأرض، وقامت الأناشيد والأغاني لأمنا الأرض، وأصبح كل حديث عن السماء، وعن الملائكة التي في السماء بما في ذلك الحديث عن رب السماء هو محض هذيان، وصرف للناس عن حقائق الحياة، وهو حديث العجائز والشعوب المنحلة والعقول المتخلفة. انتهى.
واعتقاد دوران الأرض أعظم من اعتقاد تسلسل الإنسان من القرود بكثير، هذا الأخير فرع من الأول، وإنما الذي اتضح للناس أكثر بطلان تسلسل الإنسان من القرود، والتبس عليهم أمر دوران الأرض، لأنه تصدى لترويجه كتاب ممن ينتسبون للإسلام، تأولوا كثيرا من أدلة الكتاب والسنة، زاعمين أنها تؤيد هذا القول ولا تعارضه.
كل دليل من الكتاب والسنة على دوران الأرض فهو تأويل باطل
ومما ينبغي أن يعلم: أن كل آية أو حديث صحيح ذكرا دليلا على دوران الأرض فإن ذلك بلا شك ولا ريب تأويل باطل ليس هو معنى الآية قطعا ولا الحديث، لأن الدليل الصحيح لا يدل إلا على الحق لا يدل على الباطل إذا تبين معناه الصحيح الذي أراده المتكلم. لكن المصائب تجيء من التأويل المخالف لمراد الله ورسوله.
ولذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس.
وفي هذه المتاهة خاض كثير من المتأخرين من حيث بدأت هذه العلوم وأحدثت، ويسمونها العلم الحديث، وهو لو كان علما نافعا لما صار حديثا، وإن حداثته لمن أدله ضرره وعدم نفعه، لأنه لو كان خيرا لأدركه سلف هذه الأمة، الذين بذلوا حياتهم رخيصة في سبيل العلم النافع، وقد أدركوا بغيتهم، وحماهم الله من هذا الضلال.
فهؤلاء الكتاب المتأخرون يحاولون جاهدين أن ينفخوا بصورة هذا العلم الحديث روح الحياة، ويأبى الله إلا ألا تستوي الظلمات والنور ولا الظل ولا الحرور، وألا يستوي الأعمى والبصير.
وسأذكر إن شاء الله أمثلة للتأويل الباطل فيما بعد.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الملاحدة يعرضون عن نصوص الأنبياء، إذ هي عندهم لا تفيد العلم، وهذا بعينه هو الذي قررته سابقا من اتخاذهم طريقا محدثا في البحث والعلم، لا يعولون فيه على خبر خالق هذه المخلوقات الخبير بها، ولا على أخبار أنبيائه.
ثم قال الشيخ رحمه الله:وأن أهل البدع يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم، بلا آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. انتهى.
وهذا بعينه هو الذي وقع ممن ابتلي بهم الإسلام، وهم يدعون نصرته، حيث تأولوا القرآن برأيهم وفهمهم ليجاري علوم الملاحدة. وقد قال شيخ الإسلام:
من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين، فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه. فكل دليل استدل به من الكتاب والسنة على دوران الأرض داخل في هذا لأنه متأول على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين، وهو على كل حال باطل، وكذلك كل دليل يزعم المستدل به أنه عقلي على ذلك فهو فاسد.
يتبع إن شاء الله ...
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[27 - 07 - 07, 05:01 م]ـ
من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب!!
ـ[أبو عبدالله الغربي]ــــــــ[27 - 07 - 07, 11:12 م]ـ
ماذا يعني القول بدوران الأرض
هذا الاعتقاد ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مقصود لغيره، إذ هو حلقة من سلسلة تبدأ من التعطيل وتنتهي إليه، ومعتقده يلتزم من أجله لوازم في غاية الخطورة، حيث يلتزم أن ما فوق الأرض من كل جانب فضاء لا نهاية له. والذي يقول الفضاء لا نهاية له منكر لوجود الرب سبحانه وتعالى. يوضحه الرسم رقم (1)
فضاء الملاحدة لا ينتهي وكله مجرات
نظرية دوران الأرض تستلزم نفي وجود السماوات السبع المبنية وما فوقها، وهم يصرحون أن الفضاء لا نهاية له فيقال لهم: أين الله إذا؟
انظر إلى الرسم رقم (1) ترى في وسطه ما يسمونه المجموعة الشمسية وتحتوي الشمس وما انفصل عنها بزعمهم من الكواكب، التي من ضمنها الأرض، والكل يدور حول الشمس، والفضاء في تخيلهم مليء من مثل هذه المجموعات الشمسية، يدور بعضها حول بعض، ويطلقون عليها اسم المجرات، لأن المجرة عندهم هي مجموعة من المجموعات الشمسية يقدرونها بالملايين، وبينها مسافات خيالية اصطلحوا على قياسها بسرعة الضوء، وتقديرها بالسنين الضوئية، ويزعمون أن هناك بليون من المجرات، ولا يزال الكون يتسع والمجرات تتكاثر.
فإذا كانت المجرة الواحدة تحوي ملايين من المجموعات الشمسية، مع أن المجموعة الشمسية الواحدة تأخذ من المسافة في الفضاء 3675 مليون ميلا، والفضاء فيه بلون من المجرات، فحكاية هذا الذي تخريف المجانين أحسن منه كافية لمعرفة بطلانه.
¥