تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، كما حتَّم علينا طاعته فيما أمر ونهى حيث يقول سبحانه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}. قال الإمام ابن القيم عند قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} فتضمنت هذه الآية أمورًا:

أحدها أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة للَّه ولرسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا الحياة له. وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات، فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب للَّه والرسول ظاهرًا وباطنًا، فكما أنه لا حياة له حتى ينفخ فيه الملك الذي هو رسول اللَّه من روحه، فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول البشري صلى الله عليه وسلم من الروح الذي ألقي إليه. قال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده} فمن أصابه نفخ الرسول الملكي، ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول البشري حصلت له إحدى الحياتين وفاتته الأخرى.

عباد اللَّه: روى الإمام مسلم رحمه الله: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((بدأ الإسلام غريبًا وسعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء)) وجاء في روايات أخر وصف هؤلاء الغرباء بأنهم الذين يصلحون إذا فسد الناس وفي بعضها: أنهم الذين يصلحون ما أفسد الناس، وفي بعضها: أنهم ناس صالحون قليل، في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، وفي بعضها أنهم: الذين يمسكون بكتاب اللَّه حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ، ففي هذه الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبار عن قلة المتمسكين بالسنة في آخر الزمان وكثرة المخالفين لها وفيها الحث على التمسك بها عند ذلك والصبر عليها.، ولقد اشتدت غربة الإسلام في بلدان الإسلام وأخذت السنة تطمس معالمها وتُطارد في كل مكان محلها الضلال والبدع والكفر والفسوق.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على أن نتمسك بسنته ولو تركها الناس ونغليها وأو أرخصوها. وندافع عنها ونصبر على الأذى في ذلك. فإن ذلك سبيل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

عباد اللَّه: لقد قالوا إن التمسك بالسنة جمود ورجعية وتأخر فلا تهولنكم هذه الألقاب فقد قيل فيمن هو أل منكم وأعظم من ذلك فصبروا على دينهم وما ضعفوا وما استكانوا. {والله يحب الصابرين}.

وما عرف هؤلاء المخدوعون: أن الجمود هو عدم قبول الحق. فإن الذي لا يقبل الحق قد تحجر قلبه وطبع وختم عليه فصار غلفًا لا يصل إليه نور، وأن الرجعية معناها الرجوع إلى الباطل وأن التأخر هو التأخر عن الخير إلى الشر وكل هذه الأوصاف موجودة فيهم.

وأما المتمسك بالسنة فهو بحمد اللَّه طيب القلب سليم التفكير سباق إلى الخير متقدم في كل مجال طيب. لا جامدًا ولا رجعيًا ولا متأخرًا.

عباد اللَّه: إن ما حل بالمسلمين اليوم من ضعف وتفكك ومصائب إنما سببه تفريطهم بالتمسك بدينهم والتماس الهدى من غيره؛ فلما أعرضوا عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، عرض لهم من ذلك فساد من فطرهم، وظلمة من قلوبهم وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور، وغلبت عليهم حتى شب عليها الصغير وهرم عليها الكبير فلم يروها منكرًا. ولن تذهب عنهم هذه الآفات حتى يرجعوا إلى دينهم، فاللَّه تعالى يقول: {لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}. إن المعرض عن الحق بعد معرفته يعاقب بفساد قلبه وزيغه فلا يقبل الحق بعد ذلك ولا يرجع إلى الهدى، كحال المنافقين الذين قال اللَّه فيهم: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون}. وقال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}. وقال تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة}. هذه عقوبته في الدنيا.

وأما عقوبته في الآخرة فاسمعوا قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بايات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} وقال صلى الله عليه وسلم: ((من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)).

أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم}.

وجزاكم الله خيرًا وبارك فيكم وجعلني وإياكم من ما يتبعون كتاب الله وسنة رسوله بفهم السلف الصالح.

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ومغفرة من الله ورضوان

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير