وهناك آيات أخرى كثيرة تدل على وجوب طاعته -صلى الله عليه وسلم- ورد الأمر إليه، منها قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} [النور: 56]، وقوله جل شأنه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 75]، وقوله سبحانه: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} [الأحزاب: 86].
هذا بالإضافة إلى الآيات الكريمة التي قرن الله فيها الحكمة مع الكتاب، كقوله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} [النساء: 113]، فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن المقصود بالحكمة هو السنة النبوية.
والأمر الثالث: الحديث، فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على وجوب اتباع السنة ومصدريتها، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ".
والأمر الرابع: الإجماع، فقد أجمعت الأمة على وجوب العمل بالسنة، ولهذا فقد قبل المسلمون السنة كما قبلوا القرآن الكريم، وعدوها المصدر الثاني للتشريع؛ استجابة لله عز وجل وتأسيًا برسوله -صلى الله عليه وسلم-.
المنكرون زنادقة مرتدون:
وإذا وقفنا على حكم من أنكر وجوب العمل بالسنة، نجد إجماع العلماء بأنه كافر مرتد، لإنكاره معلوماً من الدين بالضرورة.
يقول الإمام السيوطي في كتابه مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة: "فاعلموا -رحمكم الله- أن من أنكر كونَ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجةً، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء من فرق الكفرة"
ومن أعظم ما احتج به الأئمة على بطلان هذا المذهب وفساده ما أخرجه البيهقي بسنده عن شعيب بن أبي فضالة المكي أن عمران بن حصين -رضي الله عنه- ذكر الشفاعة، فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد إنكم تحدثوننا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب - عمران رضي الله عنه- وقال للرجل: قرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً، ووجدت المغرب ثلاثاً، والغداة ركعتين، والظهر أربعاً، والعصر أربعاً قال: لا. قال: فعن من أخذتم ذلك؟ أخذتموه وأخذناه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ثم ذكر أشياء في أنصبة الزكاة، وتفاصيل الحج وغيرهما، وختم بقوله: أما سمعتم الله قال في كتابه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] قال عمران: فقد أخذنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أِشياء ليس لكم بها علم".
فالحرام ما حرمه الله في كتابه، أو حرمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنته، كما أن الواجب ما أوجبه الله أو أوجبه رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن زعم الاكتفاء بالقرآن الكريم والاستغناء به عن السنة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وكان في زعمه للإسلام واكتفائه بالقرآن كاذباً.
ودليل ذلك أن السنة شارحة للقرآن مبينة له، وقد تأتي منشئة للأحكام؛ لأنها وحي من الله تعالى إلى رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم:3، 4]، وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].
ومن زعم الاكتفاء بالقرآن لم يمكنه أداء الصلاة ولا إخراج الزكاة ولا الحج ولا كثير من العبادات التي ورد تفصيلها في السنة، فأين يجد المسلم في القرآن أن صلاة الصبح ركعتان، وأن الظهر والعصر والعشاء أربع، والمغرب ثلاث؟
وهل يجد في القرآن كيفية أداء هذه الصلوات، وبيان مواقيتها؟
وهل يجد في القرآن أنصبة الذهب والفضة وبهيمة الأنعام والخارج من الأرض، وهل يجد بيان القدر الواجب إخراجه في ذلك؟
وهل يجد المسلم في القرآن كفارة الجماع في نهار رمضان، أو حكم صدقة الفطر والقدر الواجب فيها؟
وهل يجد المسلم تفاصيل أحكام الحج من الطواف سبعاً وصفته وصفة السعي، ورمي الجمار والمبيت بمنى؟ إلى غير ذلك من أحكام الحج.
¥