كذلك مما يبين فساد هذا التأويل أن أرباب نظرية دوران الأرض يزعمون أن الجبال قد ظهرت وبرزت من باطن الأرض وهذا معروف عنهم وقد ذكر الله إلقاءه الرواسي على الأرض وكما ذكرنا من لفظ الحديث السابق أيضا أنها ملقاة على الأرض والإلقاء يكون من أعلى إلى أسفل. ولو كانت الجبال خارجة من الأرض لما صح إطلاق لفظ الإلقاء عليها.
وهم قالوا إنها ظهرت من الأرض لزعمهم أن الأرض كانت أول انفصالها عن الشمس مادة منصهرة أو غازية شديدة الحرارة فما زالت تدور حتى تكثفت وبردت كما سبق وبينت فلذلك قالوا أن الجبال برزت من بطانها أثناء دورانها لتحفظ توازنها فتأمل هذا الهذيان. وكيف يخالف الحديث والقرآن. لأنه وحي الشيطان.
ومراد منه زلزلة الإيمان. والأحالة فيه على ملايين السنين، فإن من أيسر الأمور عندهم أن يقولوا: مليون سنة وأثقل ما عليهم إذا أرادوا أن يزيدوا في الخيال أن يبدلوا الميم باء، فيقولوا بليون سنة. فقد بنوا ضلالهم على هذا كما هو واضح في علومهم ومن أحالك على ملايين وبلايين السنين فقد أضلك. أما إحالتنا ولله الحمد فعلى من ابتغى الهدى في غيره أضله الله. وعلى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهل نصدقهم وندع خبر ربنا عز وجل خالق هذه المخلوقات الذي أنزل علينا كتابه تبيانا لكل شيء وكذلك أخبار نبينا صلى الله عليه وسلم. وما تصدقه وتستيقن به عقولنا أيضا؟ قد ضللنا إذا.
أما قوله في ان قوله تعالى: ((الله الذي جعل لكم الأرض قرارا)) ليس بصريح في انتفاء دورانها، فهو غير صحيح، فالآية صريحة في بيان ثبات الأرض وسكونها وعدم حركتها، والقرآن نزل بلغة العرب التي يعرفونها. والقرار عندهم هو الثبات والسكون.
أما قوله: تصير قرارا وإن كانت تدور بما القى الله فيها من الرواسي. فغير صحيح أيضا لأنه قال في الآية الأخرى: ((أمن جعل الأرض قرارا)) فمعناها أنها هي بنفسها قارة ثابتة ولم يقل هنا: لكم فهي مجعولة هكذا ولو لم يكن فيها خلائق لانها مركز العالم. ومستقر الأنام.
وقوله: إذا كانت محفوظة من الميدان قد بينت قبل أن الميدان الذي ذكره الله عز وجل وذكره نبيه صلى الله عليه وسلم غير الميدان الذي حرفت آيات القرآن من أجله الذي هو الدوران فهذا غير هذا.
ثم قال: أما رأينا حول دوران الشمس على الارض الذي يحصل به تعاقب الليل والنهار، فإننا مستمسكون بظاهر الكتاب والسنة من أن الشمس تدور على الأرض دورانا يحصل به تعاقب الليل والنهار.
أقول: هذا صحيح وهو دليل على ثبات الأرض لأنهم يزعمون أن الشمس ثابتة فإذا دار أحدهما حول الآخر لزم أن يكون الآخر ثابتا وإلا اختل النظام لأن تعاقب الليل والنهار يحصل بدوران أحدهما حول الآخر لكن دوران الشمس حول الأرض الثابتة حقيقة ودوران الأرض حول الشمس الثابتة خيالا تخيلوه لا حقيقة له، فلماذا نشك في ثبات الأرض مع يقيننا بدوران الشمس حولها؟ وهم لا يقولون إن الشمس تدور على الأرض مع دوران الأرض، يعلمون أن تناقض، لكن يزعمون أن للشمس حركة أخرى وهي وما معها من الكواكب التي ضمنها الأرض حول المجرة أو في اتجاه واحد كما ذكر قطب عنهم، وهذا كله تابع لخيالهم الذي بينا زيفه فيما تقدم. فليس هو الجريان بالفلك.
كذلك فإن جريان الشمس المذكور في القرآن والأحاديث إنما هو في الفلك، والفلك هو المستدير بلغة العرب، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما على قوله تعالى: ((وكل في فلك يسبحون)) قال: يدورون يعني حول الأرض، فمن تأول جريان الشمس المذكور على خرافاتهم فهو محرف للكلم عن مواضعه.
ونزيد المسألة وضوحا بأن نقول لمن يعتقد جريان الشمس ودورانها حول الأرض. أتراه يصح أن توصف الشمس بالقرار مع أنها تجري وتدور حول الأرض؟
¥