3 - ومما أورد على الجوهر الفرد أيضا أنك إذا وضعت جوهرا فردا بين جوهرين فردين وجعلته وسطا بينهما فإنهما لا يتلاقيان ما دام هذا الوسط قائما وحينئذ يقال إما أن يكون ما مسه أحدهما من هذا الوسط هو عين ما مسه الآخر بلا فارق أصلا وهذا محال لأنه يؤدي إلى انعدام الوسط نفسه ويقتضي تلاقيهما حال وجوده بينهما وأما أن يكون ما مسه أحدهما منه غير ما مسه الآخر وهذا يقتضي قبوله للإنقسام فيبطل ما زعموه من عدم هذه الجواهر الفردة للقسمة أيضا وهذا دليل بين على فساد هذه الخرافة التي نسجتها أوهام المتكلمين ومن العجيب أنهم تلقوها عبر الأعصار والقرون جيلا بعد جيل وكلهم مصر عليها محافظ على قدسيتها وجلالها لأنهم يعلمون أنه إذا انهارت زال بنيانهم كله من القواعد وطار كل ما بنوه عليها من خرافات وأوهام.
شرح القصيدة النونية (2
26)
ومن الاعتراضات على هذه النظرية الخرافية ما يلي:
1 - أنهم وصفوا الجوهر الفرد بالتحيز وفي نفس الوقت غير قابل للانقسام
ومن المستحيل أن يوصف شيء بأنه متحيز وفي نفس الوقت غير قابل الانقسام.
ولذلك رد عليهم ابن حزم فقال: ثم يقال لهم أخبرونا عن الجزء الذي ذكرتم أنه لا يتجزأ وهو على قولكم في مكان لأنه بعض من أبعاض الجسم هل الملاقى منه للمشرق هو الملاقى للمغرب أم غيره وهل المحازي منه للسماء هو المحازي منه للأرض أم غيره؟
فإن قالوا كل ذلك واحد والملاقي منه للمشرق هو الملاقى منه للمغرب والمجازى منه للسماء هو المجازى منه للأرض أتوا بإحدى العظائم وجعلوا جهة المشرق منا هي جهة المغرب وجعلوا السماء والأرض منه في جهة واحدة وهذا حمق لا يبلغه إلا الموسوس ومكابرة للعيان لا يرضاها لنفسه سالم البنية وإن قالوا بل الملاقى منه للمشرق هو غير الملاقى منه للمغرب وأن السماء والأرض منه في جهتين متقابلتين فوق وأسفل صدقوا وهكذا جهة الجنوب والشمال فإذ ذلك كذلك بلا شك فقد صح أنه ذو جهات ست متغايرة وهذا إقرار منهم بأنه ذو أجزاء إذ قطعوا بأن الملاقي منه للمغرب غير الملاقي منه للمشرق ومن للتبعيض وبطل قولهم من قرب والحمد لله رب العالمين.
الفصل في الملل (5
63)
ومعلوم أن ما يحازي العلو غير ما يحاذي السفل وما يحاذي اليمين غير ما يحاذي اليسار فلزم أن للجوهر الفرد جهات مختلفة وهذا يلزم منه الانقسام.
2 - القائلون بهذه النظرية وصفوا الجوهر الفرد بأنه لا طول له ولا عرض ولا عمق لنفي قابلية الانقسام عنه في الجهات كلها
والاشكال هنا كيف يتكون الجسم بانضمام جوهرين إلى بعضهما؟
ولذلك رد عليهم ابن حزم رحمه الله أيضا فقال:
وبرهان آخر وهو أنهم يقولون أن الجزء الذي لا يتجزأ لا طول له ولا عرض ولا عمق فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق إذا أضفتم إلى الجزء الذي لا يتجزأ عندكم جزأ آخر مثله لا يتجزأ أليس قد حدث لهما طول فلا بد من قولهم نعم لا يختلفون في ذلك ولو أنهم قالوا لا يحدث لهما طول للزمهم مثل ذلك في إضافة جزء ثالث ورابع وأكثر حتى يقولوا أن الأجسام العظام لا طول لها ويحصلوا في مكابرة العيان فنقول لهم إذا قلتم أن جزءا لا يتجزأ لا طول له إذا ضم إليه جزء آخر لا يتجزأ ولا طول له فأيهما يحدث له طول فقولوا لنا هل يخلو هذا الطول الحادث عندكم من أحد والثلاثة أوجه لا رابع لها أما أن يكون هذا الطول لأحدهما دون الآخر أولا لواحد منهما أو كليهما فإن قلتم ليس هذا الطول لهما ولا لواحد منهما فقد أوجبتم طولا لا لطويل وطولا قائما بنفسه والطول عرض والعرض لا يقوم بنفسه وصفة والصفةلا يمكن أن توجد إلا في موصوف بها ووجود طول لا لطويل مكابرة ومحال وإن قلتم أن ذلك الطول هو لأحد الجزئين دن الآخر فقد أحلتم وأتيتم بما لا شك بالحس وضرورة العقل في بطلانه ولزمكم الجزء الذي لا يتجزأ له طول وإذا كان له طول فهو بلا شك يتجزأ وهذا ترك منكم لقولكم مع أنه أيضا محال لأنه يجب من هذا أنه يتجزى ولا يتجرئ وإن قلتم أن ذلك الطول للجزئين معا صدقتم وأقررتم بالحق في أن كل جزء منهما فله حصته من الطول والحصة من الطول طول بلا شك وإذا كان كل واحد منهما له طول فكل واحد منهما له طول فكل واحد منهما يتجزأ وهذا خلاف قولكم أنه لا يتجزأ.
الفصل في الملل (5
63)
3 - أن الأرقام تبطل نظرية الجوهر الفرد
فلا شك أن الأرقام تقبل القسمة فالواحد مثلا قابل للقسمة إلى جزئين والنصف ينقسم إلى ربعين والربع قابل للقسمة وهكذا
فإن عجزنا بعد ذلك عن الحساب عبر عن صغر النتيجة بالصفر
انظر إحكام التقييد على أغاليط سعيد (54) لنذير عطاونة – وهو كاتب يميل لمذهب المعتزلة له رد على الأشاعرة في بعض المسائل.
والحمد لله رب العالمين.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[04 - 08 - 07, 08:11 م]ـ
هذه الإيرادات على إبطال الجوهر الفرد يمكن نقضها
والحقيقة أن الأصول الشرعية والقواعد الإيمانية لا تنبني على إثبات الجوهر الفرد، وكذلك لا تنبني على نفي الجوهر الفرد.
فسواء ثبت وجود الجوهر الفرد أو لم يثبت وجوده فلا إشكال في إثبات الأصول الشرعية في كلا الحالين.
¥