قال شيخ الاسلام في درء التعارض
" ثم استدل على هذه المسألة بما هو أضعف من هذا وهو أن البناء على ذلك مستلزم لكونه جوهرا والجواهر متماثلة وقد عرف ما في هذين الأصلين من المنازعات اللفظية والمعنوية في غير هذا الموضع و الآمدي نفسه قد بين بطلان قول من جعل الجواهر متماثلة
ومما ينبغي أن يعرف في مثل هذه المسائل المنازعات اللفظية فإن القائل إذا قال التخصيص يفتقر إلى مخصص والتقدير إلى مقدر كان بمنزلة من يقول: التحريك يفتقر إلى محرك وأمثال ذلك وهذا لا ريب فيه فإن التخصيص مصدر خصص يخصص تخصيصا وكذلك التقدير والتكلم ونحو ذلك ومصدر الفعل المتعدي لا بد له من فاعل يتعدى فعله فإذا قدر مصدر متعد بلا فاعل يتعدي فعله كان متناقضا بخلاف ما إذاقيل: الاختصاص يفتقر إلى مخصص والمقدار إلى مقدر ونحو ذلك فإن هذا ليس في الكلام ما يدل عليه لأن المذكور إما مصدر فعل لازم كالاختصاص ونحوه أو اسم ليس بمصدر كالمقدار وكل من هذين ليس في الكلام ما يوجب افتقاره إلى فاعل يتعداه فعله فإذا قيل الموصوف الذي له صفة وقدر قد اختص بصفة وقدر فلا بد له من مخصص لم يكن في هذا الكلام ما يدل على افتقاره إلى مخصص مباين له يخصصه بذلك بخلاف ما إذا قيل إذا خص بصفة أو قدر فلا بد له من مخصص فإن هذا كلام صحيح
والناطقون من أهل النظر وغيرهم إذا قصدوا المعاني فقد لا يراعون مثل هذا بل يطلقون اسم المفعول على ما لم يعلم أن له فاعلا فيقول أحدهم هذا مخصوص بهذه الصفة والقدر والمخصوص لا بد له من مخصص فإذا أخذ المخصوص على أنه اسم مفعول فمعلوم أنه لا بد له من فاعل يتعدى فعله وإذا أخذ على أن المقصود اختصاصه بذلك الوصف مان هذا مما يفتقر إلى دليل وهذا مثل الموجود فإنه لا يقصد به أن غيره أوجده بل يقصد به المحقق الذي هو بحيث يوجد فكثير من الأفعال التي بنيت للمعفول واسم المفعول التابع لها قد كثر ف يالاستعمال حتى بقي لا يقصد به قصد فعل حادث له فاعل أصلا بل يقصد إثبات ذلك الوصف من حيث الجملة
وكثير من ألفاظ النظار من هذا الباب كلفظ الموجود والمخصوص والمؤلف والمركب والمحقق فإذا قالوا: إن الرب تعالى المخصوص بخصائص لا يشركه فيها غيره أو هو موجود لم يريدوا أن أحدا غيره خصه بتلك الخصائص ولا أن غيره جعله موجودا
وبسبب ذلك تجد جماعات غلطوا في هذا الموضع في مثل هذه المسألة إذا قيل الباري تعالى مخصوص بكذا وكذا او مختص بكذا وكذا قالوا فالمخصوص لا بد له ممن خصه بذلك والمخصص لا بد له من مخصص خصصه بذلك
والناس قد يبحثون عن اختصاص الشيء بأمور قبل بحثهم هل هي من نفسه او من غيره ويعلمون ويقولون إنه مخصوص بذلك وقد خص بهذا واختص به ونحو ذلك "
وقال في الموازنة بين التهافت و تهافت التهافت
" قلت ما ذكره أبو حامد مستقيم مبطل لقول الفلاسفة وما ذكره ابن رشد إنما نشأ من جهة ما في اللفظ من الإجمال والاشتراك وكلامه في ذلك أكثر مغلطة من كلام ابن سينا الذي أقر بفساده وضعفه
وذلك أن هؤلاء قالوا لأبي حامد والمثبتين إذا أثبتم ذاتا وصفة وحلولا للصفة بالذات فهو مركب وكل مركب يحتاج إلى مركب
قال لهم قول القائل كل مركب يحتاج إلى مركب كقول القائل: كل موجود يحتاج إلى موجد ..........
فأبو حامد وأمثاله خاطبوا هؤلاء بلغتهم في أن الموصوف بصفة لازمة له يسمى مركبا وقالوا لهم قلتم إن مثل هذا المعنى الذي سميتموه تركيبا يمتنع في الواجب الوجود فقولهم إن كل مركب مفتقر إلى مركب مغلطة نشأت من الإجمال في لفظ مركب فإنهم لم يسلموا لهم أن هناك تركيبا هو فعل مركب حتى يقال إن المركب يفتقر إلى مركب بل هناك ذات موصوفة بصفات لازمة له فإذا قال القائل كل موصوف بصفات لازمة له يفتقر إلى مركب ومؤلف يجمع بين الذات والصفات كان قوله باطلا فقولهم في هذا الموضع كل مركب يفتقر إلى مركب من هذا الباب
وكذلك إذا قيل كل مؤلف يفتقر إلى مؤلف كما يستعمل مثل هذا الكلام غير واحد من الناس في نفي معان سماها مسم تأيفا وتركيبا فجعل المستدل يستدل بمجرد إطلاق اللفظ من غير نظر إلى المعنى العقلي فيقال لمن سمى مثل هذا تركيبا وتأليفا أتعني بذلك أن هنا شيئا فعله مركب ومؤلف أو ان هنا ذاتا موصوفة بصفات؟
¥