أولا: قولكم "احتماء الأشاعرة بالتفويض" لا معنى له، فلا دخل للاحتماء في أمر تعبدي عقدي عرفاني ... لأن التفويض عندهم أصل في المتشابه، ما لم يعتقد فيه التشبيه والتجسيم، فيلجؤون إلى التأويل الذي تقتضيه ضوابط اللغة وقواعد البلاغة التي نزل القرآن بها وخاطب العرب بمقتضياته ومختلف أساليبها.
ثانيا: إنكار مَن أشرت إليه من الصحابة على المعطلة فعلى من أنكر أصل الخبر فعطَّل، وقد سقت من كلام الحافظ ابن حجر قبلُ أن مِن المؤولة مَن تجاوز وتكلف وبالغ في التأويل حتى حرَّف وخلط فغلط، أما التأويل الذي يوافق لسان العرب ويسير مع مقتضى التنزيه الذي يليق بالباري سبحانه وتعالى فهو منهج صحيح مقبول يتوسط التشبيه والتعطيل ... (وكذلك جعلناكم أمة وسطا).
قال ابن دقيق العيد: إن كان التأويل من المجاز البيِّن الشائع فالحق سلوكه من غير توقف، أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية. اهـ
**الشيخ المحترم سليمان الخراشي حفظكم الله،
أولا: ليس هناك تناقض في كلامي ولله الحمد، دونك بيانه من وجهين:
الوجه الأول: أنني لما ذكرتُ لكم مذهب الصحابة الكرام الذي هو التفويض وترك الخوض في المتشابه إنما هو إلزام لمَن يعتقد أن طريقتهم أسلم الطرق ومع ذلك يثبت هو ما فوضوه هم، ولا شك أن الإثبات ليس تفويضا، إذ التفويض ترك الزيادة على لفظ النص، وأصحاب هذا الرأي لا يلتزمون مذهب الصحابة على هذا فخاضوا في المتشابه من جهة، وزادوا على لفظ النص ما ليس منه من جهة أخرى كزيادة "الذات" في آيات الاستواء ... وكلُّ ذلك مخالف لمنهج الصحابة، فيما سميتموه "فهم الصحابة". فمذهب الصحابة التفويض مع التنزيه لا التشبيه عن طريق الإثبات ...
الوجه الثاني: أن للأشاعرة طريقتين في هذا الباب مشهورتين سليمتين: التفويض والتأويل، ففي إحدى الطريقتين التزام بمذهب السلف وفي الأخرى التزام بقواعد اللغة التي تسد الباب على مَن شبه الله بمخلوقاته ...
وكل نص أوهم التشبيه ... فوضه أو أول ورم تنزيها
ثانيا: أن مذهب التفويض الذي سماه "العلماء؟؟؟؟ " مذهب التجهيل، فعلى الخلاف الجاري في المسألة قديما وحديثا لا يزيد نبزهم وتنقيصهم وقدحهم في الحق ولا ينقص منه.
ثم إنني تأملته مرارا ورأيت أن الصحابة لم يخوضوا في المعضلات لانشغالهم من جهة بالأعمال النافعة دون الجدالات الفارغة، ولكونهم آمنوا بما أنزل إليهم من ربهم دون أن يزيدوا عليه ما لم يزده القرآن والسنة، ثم هم عرب أقحاح يعرفون أن في الكلام مجازا عقليا وفيه مجازا مرسلا وفيه كناية واستعارة وتشبيها وتلويحا وإشارة وتلميحا ... الخ
فهم لما سمعوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" لم يفهموا أن القرب ذاتيٌّ، وكذلك لما سمعوا "فلا يتفل قبل وجهه فإن الله تجاهه" وكذلك "أين الله؟ قالت: في السماء" وكذلك "استوى على العرش"، فكانوا يعلمون أن ذلك لا تعلق له بالذات وإلا اقتضى تناقضا واضطرابا وإشكالا في الاعتقاد ... وهو الذي نستغرب لوجوده في معتقد المخالِفين، فاعتقادهم أنهم مستو بذاته على عرشه مع أنه قريب من الداعي وأقرب إلى حبل الوريد وأنه بكل شيء محيط وأنه معنا أينما كنا إلى غير ذلك مما ينافي الاستواء الذاتي، فلذلك لجؤوا إلى التاويل اضطرارا وهو خلاف طريقته!!!
وعلى هذا يتبخر قولكم أن هذه الطريقة فيها قدح لحكمة الرب ... الخ كلامكم لأننا نقول أنهم فهموا معانيه الإجمالية المقتضية للتنزيه وفوضوا الكيفيات الجزئية ولم يخوضوا فيها كما بينت. ويبطل إلزامكم بكون القرىن أنزل نذيرا لما بينت، فلا مزيد.
ثالثا: أما باب التدبر ... الخ فمَن تدبر بناء على قواعد اللغة التي أنزل بها القرآن وعظم الحق سبحانه في قلبه وصرف آيات الصفات والأفعال عن التشبيه والتنزيه فنِعم التدبر، أما يقال أن الله استوى فجلس بذاته وله يد ويزاد ليست كأيدينا ويجلس نبيه على عرشه يوم القيامة ويكشف عن ساق حقيقية ... ثم يضطرب فيقول معكم بعلمه وينسى بمعنى كذا ويمكر بمعنى كذا ... فتدبر خاسر، هدانا الله للحق.
رابعا: وإذا كان الإثبات للمعنى دون الكيف فهو الذي يسمى حقا "مصادمة للقرآن" (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".ويبطل به كلُّ اللوازم التي تفضلت بها لأنها تجري في هذا المجرى ...
¥