ونور القرآن هذا قد حذف تماما من الكتاب، واكتفى المحقق الطباطبائي بالقول كما في الحاشية: إن القرآن الذي أنزله الله تعالى على رسوله وجعله معجزة باقية له إلى يوم القيامة هو القرآن الموجود بين أيدينا الآن لا زيادة فيه ولا نقصان ولا تحريف ولا تغيير [12].
ولعلنا نلتمس له العذر في حذف هذا الباب بأكمله من الكتاب إذا علمنا إن صاحبنا الجزائري يرى كما يروي عنه صاحب فصل الخطاب: إن الأخبار الدالة على التحريف تزيد على ألفي حديث [13]. فعجز عن رد هذه الروايات التي نظن أن الجزائري قد أورد الكثير منها في هذا النور، فحذفه محققنا وتركنا في الظلمات.
ويقول العاملي: اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها إن القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله r شيء من التغيرات واسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات وان القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله تعالى، ما جمعه إلا علي وحفظه إلى أن وصل إلى إبنه الحسن، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه [14].
وفي موضع آخر قال وبعد أن أسهب في إثبات هذه المسألة، وأورد أسماء من قال به ممن سبقوه وفند من ظن أنهم أنكروه، قال: وعندي من وضوح صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وانه من اكبر مفاسد غصب الخلافة، فتدبر [15].
ويقول البحراني بعد إنكاره لمسألة القراءات السبعة: ومما يدفع ما ادعوه - أي تواترها - أيضا استفاضة الأخبار المتكاثرة بوقوع النقص في القرآن والحذف منه كما هو مذهب جملة من مشايخنا المتقدمين والمتأخرين [16].
وفي موضع آخر وفي معرض تعليقه على قراءة آية الوضوء، وأرجلكم إلى الكعبين، على النصب، قال: وليس بالبعيد أن هذه القراءة كغيرها من المحدثات في القرآن العزيز، لثبوت التغيير والتبديل فيه عندنا زيادة ونقصانا، وان كان بعض أصحابنا ادعى الإجماع على نفي الأول، إلا أن في الأخبار ما يرده، كما أنهم تصرفوا في قوله تعالى في آية الغار لدفع العار عن شيخ الفجار [17]. حيث أن الوارد في أخبارنا إنها نزلت، فانزل الله سكينته على رسوله وأيده بجنود لم تروها، فحذفوا لفظ رسوله وجعلوا محله الضمير، ويقرب بالبال، كما ذكر أيضا بعض علمائنا الإبدال، إن توسيط آية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، في خطاب الأزواج من ذلك القبيل [18].
أقول: يقصد بقوله: كما ذكر بعض علمائنا الإبدال، المجلسي، حيث قال: فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا إنها تناسبه، أو ادخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية، ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول: سيأتي أخبار مستفيضة بأن سقط من القرآن آيات كثيرة فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات [19].
والطهراني في كتابه محجة العلماء، تناول مسالة التحريف بإسهاب وتوسع، إذ نقل إجماع الشيعة على القول بهذه المسالة، وذكر اقو آلهم، وفند على حد زعمه أقوال أهل السنة في كون القرآن الموجود بين الدفتين هو القرآن بتمامه كما أنزل على محمد r ، كما زيف أقوال إضرابه المنكرين للتحريف وطعن فيهم، وخلص إلى القول بإجماع الشيعة على هذه المسالة، بل وكونه من ضروريات مذهبهم [20].
أما النوري الطبرسي فقد صنف كتابا مستقلا في المسألة، قال في مقدمته: هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان وسميته (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) [21].
وكتابه هذا زهاء أربعمائة صفحة، أورد فيه كل ما وقف عليه من أخبار وأقوال ونصوص بلغت المئات، كلها في إثبات مسألة التحريف.
وعند طبعه عام 1298 للهجرة، ثارت حوله ضجة عند القوم لافتضاح معتقدهم في هذه المسألة، ولم يقف المصنف مكتوف اليدين إزاء ما قيل فيه، بل صنف رسالة في دفع الشبهات التي أثيرت حوله [22].
ويقول السيد عدنان: إن القول بالتحريف والتغيير من المسلمات عند الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم، وبه تظافرت أخبارهم [23].
¥