تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأدركه الموت فمات قبل وصولها كما أجرى الله تعالى على لسان الشيخ رضي الله عنه.

قلت وكرامات الشيخ رضي الله عنه كثيرة جدا لا يليق بهذا المختصر اكثر من ذكر هذا القدر منها ومن اظهر كراماته أنه ما سمع بأحد عاداه أو غض منه إلا وابتلي بعدة بلايا غالبها في دينه وهذا ظاهر مشهور لا يحتاج فيه إلى شرح صفته.

الفهرس


الفصل العاشر في ذكر كرمه رضي الله عنه

كان رضي الله عنه مجبولا على الكرم لا يتطبعه ولا يتصنعه بل هو له سجيةوقد ذكرت فيما تقدم أنه ما شد على دينار ولا درهم قط بل كان مهما قدر على شيء من ذلك يجود به كله وكان لا يرد من يسأله شيئا يقدر عليه من دراهم ولا دنانير ولا ثياب ولا كتب ولا غير ذلك

بل ربما كان يسأله بعض الفقراء شيئا من النفقة فإن كان حينئذ متعذرا لا يدعه يذهب بلا شئ بل كان يعمد إلى شئ من لباسه فيدفعه إليه وكان ذلك المشهور عند الناس من حاله

حدثني الشيخ العالم الفاضل المقرئ أبو محمد عبد الله ابن الشيخ الصالح المقرئ احمد بن سعيد قال كنت يوما جالسا بحضرة شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه فجاء إنسان فسلم عليه فرآه الشيخ محتاجا إلى ما يعتم به فنزع الشيخ عمامته من غير أن يسأله الرجل ذلك فقطعها نصفين واعتم بنصفها ودفع النصف الآخر إلى ذلك الرجلولم يحتشم للحاضرين عنده.

قلت وربما توهم بعض من يحتاج إلى التفهيم ان هذا الفعل من الشيخ فيه إضاعة المال أو نوع من التبذل الذي يشين المروءة وليس الأمر كذلك فإنه لم يكن عنده حينئذ معلوم غير ثيابه ورأى أن قطع غير العمامة من بقية لباسه مما يفسده ولا يحصل به المقصود ولم يكن عليه ولا عنده حينئذ ثوب صحيح لا يحتاج إليه حتى يدفعه إليه فسارع إلى قطع ما يستغنى ببعضه عن كله فيما وضع له وهو العمامة فنفع أخاه المسلم وسد حاجته حينئذ ببعضها واستغنى هو بباقيها وهذا هو أكمل التصرف الصالح والرشد التام

والجود المذكور المشهور والإيثار بالميسور وأما التبذل الذي فيه نوع إسقاط المروءة فليس من هذا القبيل في شيء بل هذا من المبالغة في التواضع وعدم رؤية النفس في محل الاحتشام ورفض إرادة المرء تعظيم نفسه بحضرة الحاضرين وهذه خصال محمودة مطلوبة شرعا وعقلا

وقد روي مثل ذلك عن سيد الأنام وأكمل الخلق مروءة وعقلا وعلما محمد المصطفى انه لبس يوما شملة سوداء لها حواش بيض وخرج إلى المسجد وجماعة من المسلمين حضور فرآه إنسان فقال يا رسول الله أعطني هذه الشملة وكان لا يمنع سائلا يسأله فنزعها رسول الله عن جسدة المكرم ودفعها إلى ذلك

الرجل وطفق الناس يلومون ذلك الرجل على ما فعل وكونه سأل النبي وكان محتاجا إلى ما لبسه وقد علم انه لا يمنع شيئا يسأله فقال الرجل معتذرا إليهم إني لم أطلبها لألبسها لكن لأجعلها لي كفنا عند موتي.

قال الراوي فامسكها عنده حتى كانت كفنه.

وهذا حديث مشهور قد رواه غير واحد من الحفاظ النقلة الثقات وهو من أوضح الدلائل على ما قلناه بل أبلغ في الجود والتواضع وكسر النفس وكرم الأخلاق.

وحدثني من أثق به أن الشيخ رضي الله عنه كان مارا يوما في بعض الأزقة فدعا له بعض الفقراء وعرف الشيخ حاجته ولم يكن مع الشيخ ما يعطيه فنزع ثوبا على جلده ودفعه إليه وقال بعه بما تيسر وأنفقه واعتذر إليه من كونه لم يحضر عنده شئ من النفقة.

وهذا أيضا من المبالغة في عدم اكتراثه في غير ما يقرب إلى الله تعالى وجوده بالميسور كائنا ما كان وهذا من أبلغ إخلاص العمل لله عز وجل فسبحان الموفق من شاء لما شاء.

وحدثني من أثق به أن الشيخ رضي الله عنه كان لا يرد أحدا يسأله شيئا كتبه بل يأمره أن يأخذ هو بنفسه ما يشاء منها.

وأخبرني أنه جاءه يوما إنسان يسأله كتابا ينتفع به فأمره أن يأخذ كتابا يختاره فرأى ذلك الرجل بين كتب الشيخ مصحفا قد اشترى بدراهم كثيرة فأخذه ومضى

فلام بعض الجماعة الشيخ في ذلك فقال أيحسن بي أن امنعه بعد ما سأله دعه فلينتفع به.

وكان الشيخ رضي الله عنه ينكر إنكارا شديدا على من يسأل شيئا من كتب العلم التي يملكها ويمنعها من السائل ويقول ما ينبغي أن يمنع العلم ممن يطلبه.

ومن كرمه انه كان لا ينظر مع ذلك إلى جهة الملك والتمول وهذا القدر من كرمه يغنى المقتدي به.

الفهرس

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير