و في صفحة رقم 67 حتى صفحة رقم 69 كلاماً عجيباً واضحاً في إثبات مذهب السلف، ناصراً لهم مؤيداً لقولهم وسمى فصله الأخير الذي عقده هذا (فصل في أحاديث تؤكد القول بهذا المعتقد و تؤيده على هذا التنزيه الذي عليه أئمة الإسلام حشرنا الله على معتقدهم واماتنا على محبة السلف الصالحين و الأئمة المهديين رضي الله عنهم أجمعين)
وأنا أنقل لكم جميع هذا الفصل كما هو في الكتاب الذي بين يدي - إن شاء الله تعالى – والذي واضح فيه أشد الوضوح تأيد الإمام النووي لمذهب السلف في الأسماء والصفات و السير على نهجهم ... فقال رضي الله عنه:
(فانظروا إلى ما كان عليه الأئمة المهديون والفرق بينهم وبين غيرهم من المتعصبين من أهل زماننا على موافقة أغراضهم ومخالفتهم لهم، لكونهم انعطفوا على حب الدنيا و زخارفها، و التحبب إلى رؤساء أعصارهم حملهم على هذه الأمور المستبشعة، فباعوا المقطوع بالمظنون ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ... ومن يشتري دنياه بالدين اعجب
ونحن من ديننا: التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة و التابعين وأئمة الحديث المشهورين ونؤمن بجميع أحاديث الصفات، لا نزيد على ذلك شيئاً، ولا ننقص منه شيئاً، كحديث قصة الدجال و قوله فيه: (وإن ربكم ليس بأعور) 1
وكحديث النزول إلى السماء الدنيا 2
وكحديث الستواء على العرش 3
وإن القلوب بين أصبعين من أصابعه 4
وإنه يضع السماوات على إصبع و الأرضين على إصبع 5
ونقول بتصديق حديث المعراج 6 وبصحيح ما جاء فيه من الروايات وندين أن الله مقلب القلوب 7
و ما أشبه هذه الأحاديث جميعها كما جاءت بها الرواية من غير كشف عن تأويلها، وأن نمرها كما جاءت
وأن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ونقول أن الله يجيء يوم القيامة كما قال تعالى:
{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]
وأن الله يقرب من عباده كيف شاء لقوله تعالى {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]
وقوله {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم]
وأشباه ذلك من آيات الصفات، ولا نتأولها ولا نكشف عنها بل نكف عن ذلك كما كف عنه السلف الصالح.
و نؤمن بأن الله على عرشه كما أخبر في كتابه العزيز ولا نقول هو في كل مكان، بل هو في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان كما قال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] وكما قال {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]
و كما جاء في حديث الإسراء إلى السماء السابعه: (ثم دنا من ربه)
وكما جاء في حديث سوداء أريدت أن تعتق، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (أين ربك؟) فقالت في السماء، فقال: (أعتقها فإنها مؤمنة) 8
و امثال ذلك كثير في الكتاب والسنة، نؤمن بذلك ولا نجحد من ذلك.
وقد روت الثقات عن مالك بن أنس أن سائلاً سأله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فقال: الاستواء غير مجهول، و الكيف غير معقول، والإيمان به واجب، و السؤال عنه بدعة.
فيا إله السماوات و الأرضين، ويا خالق الخلق أجمعين، أنت المطلع على البواطن وأنت الرقيب على كل خافق وساكن، أسألك أن تغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
فهذا: آخر ما أردنا ذكره من هذا المختصر من معتقد مصنفه، مما ذكره في كتابه كتاب (غاية المرام في مسألة الكلام) للشيخ أبي العباس أحمد بن الحسن الأرمولي الشافعي، وهو الذي عليه الجمهور من السلف و الخلف) ا. هـ
ثم من الصفحة 70 إلى آخر الكتاب صفحة 78 عبارة عن ملخص من كتابه الإمام النووي (التبيان في آداب حملة القرآن) قد ألحقه الإمام النووي في مختصره لكلام الشيخ الأرمولي.
وبعد هذا العرض و البيان من الكلام الذي ساقه الإمام النووي في رسالته الصغيرة هذه
لنا أن نقول أن الإمام النووي قد رجع فعلاً عن قول الأشاعرة وقوله الأخير في مسألة الصفات هو الحجة، وهذا كلامه الذي قاله قبل أن يموت – رحمه الله – بأشهر قليلة جداً، فعليه المعول.
فليمت بغيظهم أهل البدع خناثى المعتزلة
رحم الله الإمام النووي وجزاه الله عن أمة الإسلام كل خير
وكذا جميع علمائنا و أئمتنا الثقات الذين اتبعوا منهج الصحابة بإحسان
وحفظ لنا أحيائهم وبارك في أعمارهم.
(و أرجوا من أخ غيور ناصح أمين إن وجد ثغرة سدها، وإن أبصر حسنة عدها وإن راى خللاً أصلحه، و إن أبصر حقاً رجحه، وإن وجد مبهماً وضحه، ويتعهدني بالنصح، فإني متقلد منته آخر حياتي) [من مقدمة بصائر ذوي الشرف للشيخ سليم الهلالي]
فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي وإن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي.
الهامش [هذه هوامش المحقق]:
1: رواه البخاري (3057) و مسلم (169)
2: رواه البخاري (1145) ومسلم (758)
3: رواه البخاري (7404) ومسلم (2751)
4: رواه مسلم (2654)
5: رواه البخاري (4811) ومسلم (2786)
6: رواه البخاري (7517) ومسلم (162)
7: رواه البخاري (6617)
8: رواه مسلم (537)
للبحث تتمة - إذا يسر المولى -:
1) ترجمة الشيخ الأرموني.
2) من نسب من اهل العلم هذا الجزء إلى الإمام النووي
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَفِي
مُحَمَّدُ بْنُ جَمِيلِ حَمَّامِي
بَيْتُ الْمَقْدِسُ
¥