وقد بين سبحانه طريق تحقيق تلك الغاية التى ما خلق الله الخلق الا لها وهى عبادته وحده لاشريك له من خلال دين لايرضى سواه، الان وبعد بعثة خاتم النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال سبحانه:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " [المائدة/3]
وقال عز من قائل: " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [آل عمران/85]
وهو سبحانه لايرضى لعباده الكفر أبدا قال عز من قائل:
"إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ " [الزمر/7]
وهذا قطع لكل جدل حول حرية الاديان، وبيان انها حرية لمن اراد الهلاك والخسران، وليست حرية تعنى الاختيار المقتضى للتنقل بين متساويين أو متماثلين، كلا والف كلا، فهو اختيار بين النجاة والهلاك، بين الإيمان والكفر، بين الجنة والنار ,
ولإجلاء البيان فى هذه القضية – قضية المفاصلة وعدم التقاء طرق الكفر بطريق الحق والايمان - أمر الله نبيه أن يخاطب كل من أبى عن قبول الحق الذى جاء به من أولائك الكافرين والمستكبرين والمستنكفين، بأن يقول لهم " لكم دينكم ولي دين " بمعنى أنا هنا وأنتم هناك، ولا معبر ولا جسر ولا طريق، مفاصلة كاملة شاملة، وتميز واضح دقيق ...... ولقد كانت هذه المفاصلة ضرورية لإيضاح معالم الاختلاف الجوهري الكامل، الذي يستحيل معه الإلتقاء على شيء في منتصف الطريق، الاختلاف في جوهر الاعتقاد، وأصل التصور، وحقيقة المنهج، وطبيعة الطريق، وأن الطريقين طريق الكفر وطريق الايمان لايستويان ولا يلتقيان.
وقال تعالى: " قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [المائدة/100]
وقال تعالى:
" وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ " [غافر/58]
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ " [الحشر/20]
إذا فحرية الاختيار بين الايمان والكفر، أو بين الاسلام وغيره من الاديان - التى لايرضاها الله تعالى – هى حرية اختيار بين النجاة والهلاك، بين الفوز والخسران، بين الغرور واليقين .... فعندما يقول تعالى:" وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" [الكهف/29] ........ فهو تخيير مع تحذير والعاقل من أنجى نفسه والسفيه من أورد نفسه المهالك والعياذ بالله تعالى .. !!!
ويقول تعالى: " قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) [الزمر/8] ... فهل بعد ذلك بيان ... لكن الهدى هدى الله.
ومن هنا شدد الله تعالى على من كفر بعد ايمانه شدة بعد شدة، لأنه قبل الهدى وأطاع ربه وقبل أداء ما خلق له، من عبادة ربه تعالى وحده دون ما سواه، ولكنه رضى بالدنية واعطى ربه ظهره وارتد على أعقابه، فشدد الله عليه العقوبة أكثر ممن أعلن الاستنكاف أولا – والكل هالك كل بحسب علم الله فيه – وذلك لئلا يُتخذ دين الله هزوا ولعبا، وتعظيما لأمر الله ودينه، ومن قبل تعظيما لصاحب الأمر سبحانه الكبير المتعال العظيم الشأن الذى لايليق بأحد كائنا من كان ان يُقبل عليه ثم يدبر، والله لو كان ذلك يحدث مع ملوك أو معظمين فى الدنيا لقتلوا فاعل ذلك ألف مرة لو قدروا، بل وكل من وراءه لئلا تُسول نفسُ أحدٍ أن يفعل مثل فعيل ذلك السفيه، وما يفعلوها الا كبرا وثأرا، وسيجد كثير من الناس لصنيعهم - وهو الفتك به فتكا – ألف عذر ومخرج، أما فى حق المليك المقتدر صاحب الحق الذى يعلو ولا يُعلى عليه، من خلق وذراء وبراء ورزق، من له الملك كله واليه يُرجع الأمر كله وبيده الخير كله وله
¥