تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أو بتفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة!

وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة - أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة - تحتوي أولاً على خطأ منهجي أساسي.

وما يهمني هنا ان اعرض هو: ان التعابير التركية تختلف عن العربية فعندما يقول هارون يحيى ان استاذي ( said nursi ) فهذا لا يعني انه تتلمذ عليه او نهج على طريقته ولكن هذا تعبير عن الاحترام والتقدير وعن عزوف سعيد النورسي عن الزواج اود ان اعرض اسباب ذلك:

نذر سعيد النورسي نفسه لخدمة الإيمان والقرآن لاسيما بعدما سمع بمؤامرة خبيثة تحاك حول القرآن الكريم، لذا ترك الزواج وبقي عزباً طوال حياته، ويعلله بالآتي:

أولا: في الوقت الذي يلزم لصد هجوم زندقة رهيبة تُغير منذ أربعين سنة، فدائيون يضحّون بكل ما لديهم، قررت ان اضحي لحقيقة القرآن الكريم لا بسعادتي الدنيوية وحدها، بل حتى اذا استدعى الأمر بسعادتي الاخروية كذلك، فلأجل ان اتمكن من القيام بخدمة القرآن على وجهها الصحيح باخلاص حقيقي ما كان لي بد من ترك زواج الدنيا الوقتي - مع علمي بأنه سنة نبوية - بل لو وُهب لي عشر من الحور العين في هذه الدنيا، لوجدت نفسي مضطراً إلى التخلي عنهن جميعاً، من أجل تلك الحقيقة، حقيقة القرآن. لأن هذه المنظمات الملحدة الرهيبة تشن هجمات عنيفة، وتدبر مكايد خبيثة، فلابد لصدها من منتهى التضحية وغاية الفداء، وجعل جميع الأعمال في سبيل نشر الدين خالصة لوجه الله وحده، من دون ان تكون وسيلة لشئ مهما كان.

ولقد أفتى علماء منكوبون، وأناس أتقياء، لصالح البدع، أو ظهروا بمظهر الموالين لها، من جراء هموم عيش أولادهم وأهليهم، لذا يقتضى منتهى التضحية والفداء، ومنتهى الثبات والصلابة وغاية الاستغناء عن الناس، وعن كل شئ، تجاه الهجوم المرعب العنيف على الدين، ولاسيما بعد إلغاء دروس الدين في المدارس وتبديل الأذان الشرعي ومنع الحجاب بقوة القانون؛ لذا تركت عادة الزواج الذي أعلم انها سنة نبوية لئلا ألج في محرمات كثيرة، ولكي أتمكن من القيام بكثير من الواجبات وأداء الفرائض. إذ لا يمكن أن تقترف محرمات كثيرة لأجل أداء سنة واحدة. فلقد وجد علماء أدوا تلك السنة النبوية أنفسهم مضطرين إلى الدخول في عشر كبائر ومحرمات وترك قسم من السنن والفرائض، في غضون هذه السنوات الأربعين.

ثانيا: ان الآية الكريمة] فانكحوا ما طاب لكم .. [(النساء: 3) والحديث الشريف (تناكحوا تكثروا .. ) (رواه عبدالرزاق والبيهقي مرسلاً) وامثالهما من الاوامر، ليست أوامر وجوبية ودائمية، بل إستحبابية مسنونة، فضلا عن انها موقوفة بشروط لابد من توافرها، وقد يتعذر توافرها للجميع وفي كل وقت.

ثم ان الانزواء والعزوبة - كما هو لدى الرهبان - محرمتان مرفوضتان لا أصل لهما. بل هو حث على الانخراط في الحياة الاجتماعية كما هو مضمون الحديث الشريف (خير الناس انفعهم للناس) (صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 6538).

وإلا فان ألوفاً من السلف الصالحين قد اعتزلوا الناس موقتاً، وآثروا الانزواء في المغارات لفترة من الزمن، واستغنوا عن زينة الحياة الدنيا الفانية وجردوا أنفسهم عنها، كي يقوموا ببناء حياتهم الأخروية على الوجه الصحيح. فما دام الكثيرون من السلف الصالحين تركوا الدنيا وزينتها بلوغاً إلى كمال باق وخاص بشخصهم، فلابد أن من يعمل لأجل سعادة باقية، لكثير جداً من المنكوبين، ويحول بينهم وبين السقوط في هاوية الضلالة، ويسعى لتقوية ايمانهم، خدمةً للقرآن والإيمان خدمة حقيقية، ويثبت تجاه هجمات الإلحاد المغير من الخارج والظاهر في الداخل، أقول لابد أن الذي يقوم بهذا العمل العام الكلي - وليس عملا خاصاً لنفسه - تاركاً دنياه الآفلة، لا يخالف السنة النبوية بل يعمل طبقا لحقيقة السنة النبوية.

ثم إنني أتمنى أن أغنم ذرة واحدة من هذا الكلام الصادق الصادر من الصديق الأكبر رضي الله عنه: (ليكبر جسمي في جهنم حتى لا يبقى موضع لمؤمن). ولأجله آثر هذا السعيد الضعيف العزوبة والاستغناء عن الناس طوال حياته كلها.

ثالثاً: لم نقل لطلاب النور: تخلوا عن الزواج، دعوه للآخرين ولا ينبغي ان يقال لهم هذا الكلام. ولكن الطلاب انفسهم على مراتب وطبقات. فمنهم من يلزم عليه ألا يربط نفسه بحاجات الدنيا، قدر المستطاع، في هذا الوقت، وفي فترة من عمره، بلوغاً إلى التضحية العظمى والثبات الأعظم والإخلاص الاتم. واذا ما وجد الزوجة التي تعينه على خدمة القرآن والإيمان، فبها ونعمت. إذ لا يضر هذا الزواج بخدمته وعمله للقرآن، ولله الحمد والمنة ففي صفوف طلاب النور كثيرون من أمثال هؤلاء. وزوجاتهم لا يقصرن عنهم في خدمة القرآن والإيمان، بل قد يفقن أزواجهن ويسبقنهم لما فطرن عليه من الشفقة التي لا تطلب عوضاً، فيؤدين العمل بهذه البطولة الموهوبة لهن باخلاص تام.

هذا وان المتقدمين والسابقين من طلاب النور أغلبهم متزوجون، وقد أقاموا هذه السنة الشريفة على وجهها، ورسائل النور تخاطبهم قائلة:

اجعلوا بيوتكم مدرسة نورية مصغرة، وموضع تلقي العلم والعرفان، كي يتربى الأولاد الذين هم ثمار تطبيق هذه السنة، على الإيمان، فيكونون لكم شفعاء يوم القيامة، وأبناء بررة في هذه الدنيا، وعندها تتقرر هذه السنة الشريفة فيكم حقاً. وبخلافه لو تربي الأولاد على التربية الأوروبية وحدها -كما حدث خلال ثلاثين سنة خلت - فإن أولئك الأولاد يكونون غير نافعين لكم في الدنيا - من جهة - ومدّعين عليكم يوم القيامة، إذ يقولون لكم: لِمَ لم تنقذوا إيماننا؟ فتندمون وتحزنون من قولهم هذا، يوم لا ينفع الندم، وما هذا الا مخالفة لحكمة السنة النبوية الشريفة.

نقلاً عن كتاب: الملاحق - اميرداغ2/ 401 لسعيد النورسي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير