تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أهل الحديث]ــــــــ[28 - 09 - 07, 03:41 ص]ـ

قال ابن القيم في

اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية -

وقد اتفق المسلمون وكل ذي لب أنه لا يعقل كائن إلا في مكان ما، وما ليس في مكان فهو عدم. وقد صح في العقول، وثبت بالدلائل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم، فكيِف يقاس على شيء من خلقه، أو يجري بينهم وبينه تمثيل أو تشبيه؟!! تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

فإن قال قائل: إذا وصفنا ربنا تعالى أنه كان في الأزل لا في مكان، ثم خلق الأماكن، فصار في مكان، ففي ذلك إقرار منّا فيه بالتغيير والانتقال إذا زال عن صفته في الأزل، وصار في مكان دون مكان؟!.

قيل له: وكذلك زعمتَ أنتَ أنه كان لا في مكان، ثم صار في كل مكان، فنقَل صفته من الكون لا في مكان إلى صفة هي الكون في كل مكان، فقد تغيّر عندك معبودك، وانتقل من لا مكان إلى كل مكان. فإن قال: إنه كان في الأزل في كل مكان وكما هو الآن، فقد أوجب الأماكن والأشَباء معه في أزليته، وهذا فاسد.

فإن قال: فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان؟ قيل له: أما الانتقال وتغير الحال، فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه، لأن كونه في الأزل لا يوجب مكاناً، وكذلك نقلته لا توجب مكاناً، وليس في ذلك كالخلق، لأن كونه يوجب مكاناً من الخلق ونقلته توجب مكاناً، ويصير منتقلاً من مكان إلى مكان، والله تعالى ليس كذلك، ولكنا نقول: استوى من لا مكان إلى مكان، ولا نقول انتقل، وإن كان المعنى في ذلك واحداً كما نقول: له عرش ولا نقول له سرير، ونقول: هو الحكيم ولا نقول: هو العاقل، ونقول: خليل إبراهيم ولا نقول: صديق إبراهيم، وإن كان المعنى في ذلك واحداً لأنا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمي به نفسه على ما تقدم، ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن.

وقد قال اللّه تعالى: " وجاءَ رَبُّك والمَلَكُ صَفّاً صَفّاً " سورة الفجر آية 22.

وليس مجيئه حركة ولا زوالاً ولا ابتدالاً، لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسماً أو جوهرفا، فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا نقلاً، ولو اعتبرت ذلك بقولهم: جاءت فلاناً قيامته، وجاءه الموت، وجاءه المرض، وشبه ذلك مما هو وجود نازل به لا مجيء، لبانَ لك وبالله العصمة والتوفيق.

فإن قال: أنه لا يكون مستوياً على مكان إلا مقروناً بالكيف؟! قيل له: قد يكون الاستواء واجبَاً والتكييف مرتفع، وليس رفعٍ التكييف يوجب رفع الاستواء، ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل، ولا يكون كائناً في مكان ولا مقروناً بالتكييف.

فإن قال: إنه كان ولا مكان وهو غير مقرون بالتكييف، وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحاً في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك، وليس جهلنا بكيفة الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح، وكذلك ليس جهلنا بكيفيته على عرشه يوجب أن ليس على عرشه.

وقد روي عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول اللّه: أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلقَ السموات والأرض؟ قال: كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء.

قال أبو القاسم: العماء ممدود، وهو السحاب والعمى مقصور: الظلمة، وقد روي الحديث بالمد والقصر، فمن رواه بالمد فمعناه عنده كان في عماء سحاب ما تحته هواء وما فوقه هواء. والهاء راجعة على العماء، ومن رواه بالقصر فمعناه عنده كان في عمى عن خلقه لأنه من عمي عن شيء فقد أظلم عنه.

قال سنيد بسنده عن مجاهد قال: إن بين العرش وبين الملائكة لسبعين حجاباً من نور وحجاباً من ظلمة. وروى أيضاً سنيد بسنده، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إِلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام والعرش على الماء، واللّه سبحانه وتعالى على العرش ويعلم أعمالكم.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً: أنه فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم. قال أبو القاسم: يريد فوق العرش لأن العرش آخر المخلوقات ليس فوقه مخلوق، فالله تعالى أعلى المخلوقات دون تكييف ولا مماسة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير