يقول د. الخطيب: "والجواب على هذا السؤال يرجعنا إلى ابن سبأ اليهودي الذي تكاد معظم المصادر التاريخية تجمع على أنه كان من الأشخاص الرئيسيين الذين أوصلوا هذه المؤثرات إلى العالم الإسلامي، وخاصة أنه من اليهود المقيمين في اليمن الذين امتزجت ديانتهم فيها بالنصرانية"
الحركات الباطنية ص (41)
ويضع د. بدوي السؤال السابق في صيغة أكثر وضوحاً، فيقول: "كيف وصل التأثير اليهودي والمسيحي إلى الإسلام؟ " لكنه قبل الإجابة عليه يتساءل: "هل تأثر أصحاب مذهب التأويل بالباطن من المسلمين، بأصحاب التأويل في اليهودية والمسيحية
مذاهب الإسلاميين ص (15)
ولعل من المناسب قبل بيان تأثير اليهود والنصارى فيما يتعلق بالتأويل أن نورد شيئاً من أفكار وعقائد ابن سبأ اليهودي، التي أدخلها إلى المسلمين.
يروي الطبري في تاريخه عن يزيد الفقعسي قال: كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمه سوداء فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم.
فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول " لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع! وقد قال الله عز وجل {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} محمد أحق بالرجوع من عيسى".
قال: فقبل ذلك عنه, ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها. ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي، ولكن نبي وصي، وكان عليٌ وصي محمد ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء. ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يُجِز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة! ثم قال لهم بعد ذلك إن عثمان أخذها بغير حق. وهذا وصي رسول الله صلى الله علية وسلم فانهضوا في هذا الأمر، فحرّكوه، وابدأوا الطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر"
تاريخ الأمم والملوك 2/ 647.
يقول د. الخطيب: "وكان تأويل ابن سبأ لقوله تعالى {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} وقوله: "إني لأعجب ممن يقول برجعة عيسى ولا يقول برجعة محمد" أول تأويل لمعاني القرآن الكريم"
وبهذا التأويل للآية الكريمة السابقة، وضع ابن سبأ المذهب الباطني "بما فيه من قول بالرجعة، والذي نشأ عليه مذهب التناسخ، وقالت به باقي حركات الغلو الأخرى. وهذا يعني أن عبد الله بن سبأ حاول أن يوجد نفس العوامل الشبيهة التي أدت إلى تحريف وتأويل التوراة والإنجيل من قبل على غرار ما فعل فيلون وطائفة القبالية.
فكان نشره لمبدأ الوصاية ـ بمعنى أن عليّا وصي محمد صلى الله عليه وسلم ـ من جملة هذه العوامل التي أراد أن تتحقق، لذا نجده ينادي بعد ذلك بحلول جزء إلهي في علي وذريته وهو المذهب الذي يرجع إلى المؤثرات اليهودية والمسيحية المأخوذة عن الفلسفة الأفلاطونية.
الحركات الباطنية ص32
وهكذا استغل ابن سبأ التأويل الباطني ليدخل إلى الإسلام عقائد باطلة مثل الرجعة، والوصية، وألوهية علي، وإنكار موته، وهي العقائد التي تبنتها بعض فرق الشيعة، أما عن تأثر ابن سبأ بالعقائد اليهودية والمسيحية، ومحاولة إدخالها إلى الإسلام فينقل د. بدوي عن المستشرق فريد ليندر أن إنكار ابن سبأ لموت علي
وقوله أن ذلك شبه للناس، وأنه سيرجع من السحاب فكرة أصلها يرجع إلى يهود اليمن، وما يقوله الفلاشا في الحبشة من اليهود الذين تصوروا المسيح المنتظر هكذا
مذاهب الإسلاميين ص 20
وبعد هلاك ابن سبأ، استمر تلامذته في نفث سمومهم، فادّعى المختار بن أبي عبيد الثقفي أن محمد بن الحنفية ـ ابن الإمام علي ـ هو الإمام بعد أبيه لأن ابن الحنفية حمل راية أبيه يوم البصرة (معركة الجمل) دون أخوية فسموا الكيسانية.
وبدأ من خلال هذا الادعاء ببث أفكاره الضالة، فقال بـ (البداء)، وهو الظهور بعد الخفاء، أي أن تكون الحكمة قد ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل، وهذا يستلزم البداء، وسبق الجهل على الله سبحانه وتعالى ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ وزعم بعد ذلك أن جبرائيل يأتيه بالوحي من عند الله عز وجل، وقال بتناسخ الأرواح وبالرجعة، وبأن الدين طاعة رجل، حتى حملهم هذا الاعتقاد على تأويل الشريعة، فاعتبروا أن طاعتهم لذلك الرجل تبطل الصوم والحج والصلاة وغيرها من الفرائض
¥