تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الأحاديث الدالة على أن الكفار لا يعذرون في كفرهم بالفترة ما أخرجه مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أنَّ رجلاً قال يا رسول الله، أَين أبي؟. قال: «في النَّار» فلما قفى دعاه فقال: «أّنَّ أَبي وأباك في النَّار» اه وقال مسلم رحمه الله في صحيحه أيضاً: حدثنا يَحْيَى بن أيوب، ومحمد بن عباد - واللفظ ليحيى - قالا: حدثنا مروان بن معاوية، عن يزيد يعني ابن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن ازور قبرها فإذن لي» حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب قالا: حدثنا محمد بن عبيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: زار النَّبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى واّبكى من حوله. فقال: «استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذتنه في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذطِّر الموت» اهـ

إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على عدم عذر المشركين بالفترة.

وهذا الخلاف مشهور بن أهل الأصور - هل المشركون الذين ماتوا في الفترة وهو يعبدون الأوثان في النار لكفرهم. أو معذورون بالفترة؟ وعذدخ في «مراقي السعود» بقوله:

ذو فترة بالفرع لا يراع ... وفي الأصول بينهم نزاع

وممن ذهب إلى أن أهل الفترة الذين ماتوا على الكفر في النار: النووي في شرح مسلم، وحكى عليه القرافي في شرح التنقيح الإجماع. كما نقله عنه صاحب «نشر البنود».

وأجاب أهل هذا القول عن قوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] من أربعة أوجه:

الأول - أن التعذيب المنعفى في قوله {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} الآية، وأمثالها من الآيات. إنما هو العذيب الدنيوي كما وقع في الدنيا من العذاب بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى وأمثالهم. وإذا فلا ينافي ذلك التعذيب في الآخرة.

ونسب هذا القول القرطبي، وأبو حاين، والشوكاني وغيرهم في تفاسيرهم إلى الجمهور.

والوجه الثاني - أن محل العذر بالفترة المنصوص في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] الآية وأمثالها في غير الواضح الذي لا يخفى على أدنى عاقل. أما الواضح الذي لا يخفى على من عنده عقل كعبادة الأوثان فلا يعذر فيه أحد. لأن الكفار يقرون بأن الله هو ربهم، الخالق الرازق، النافع، الضار. ويتحققون كل التحقق أن الأوثان لا تقدر على جلب نفع ولا على دفع ضر. كما قال عن قوم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ} [الأنبياء: 65] وكما جاءت الآيات القرانية بكثرة بأنهم وقت الشدائد يخلصون الدعاء لله وحده. لعملهم أن غيره لا ينفع ولا يضر. كقوله {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [العنكبوت: 65] الآية، وقوله: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [لقمان: 32] الآية، وقوله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] الآية، غلى غير ذلك من الآيات. ولكن الكفار غالطوا أنفسهم لشدة تعصبهم لأوثانهم - فزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى، وأنها شفعاؤهو عند الله. مع أن العقل يقطع بنفي ذلك.

الوجه الثالث أن عندهم بقية إنذار مما جاءت به الرسل الذين أرسلوا قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. كإبراهيم وغيره. وأن الحجة قائمة عليهم بذلك. وجزم بهذا النووي في شرح مسلم، ومال إليه العبادي في (الآيات البينات).

الوجه الرابع - ما جاء من الأحاديث الصحيحة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، الدالة على أن بعض أهل الفترة في النار. كما قدمنا بعض الأحاديث الواردة بذلك في صحيح مسلم وغيره.

وأجاب القائلون بعذرهم بالفترة عن هذه الأوجه الأربعة -فأجابوا عن الوجه الأول، وهو كون التعذيب في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] إنما هو التعذيب الدنيوي دون الأخروي من وجيهين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير