تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول - أنه خلاف ظاهر القرآن.

لأن ظاهر القرآن انتفاء التعذيب مطلقاً، فهو أعم من كونه في الدنيا. وصرف القرآن عن ظاهره ممنوع إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

الوجه الثاني - أن القرآن دل في أيات كثيرة على شمول التعذيب المنفي في الآية للتعذيب في الآخرة. كقوله: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بلى} [الملك: 8 - 9] وهو دليل على أن جميع أفواج أهل النار ما عذبوا في الآخرة إلى بعد إنذار الرسل. كما تقدم إيضاحه بالآيات القرانية.

وأجابوا عن الوجه الثاني - وهو أن محل العذر بالفترة في غير الواضح الذي لا يخفى على أحد - بنفس الجوابين المذكورين آنفاً. لأن الفرق بين الواضح وغيره مخالف لظاهر القرآن، فلا بد له من دليل يجب الرجوع إليه، ولأن الله نق على أن أهل النار ما عذبوا بها حتى كذبوا الرسل في دار الدنيا، بعد إنذارهم من ذلك الكفر الواضح، كما تقدم إيضاحه.

وأجابوا عن الوجه الثالث الذي جزم به النووي، وما إليه العبادي وهو قيام الحجة عليهم بإنذار الرسل الذين أرسلوا على ألسنة بعض الرسل والقرآن ينفي هذا نفياً باتاً في آيات كثيرة. كقوله في «يس» {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 6] و «مَا» في قوله {أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ} نافيه على التحقيق، لا موصوله، وتدل لذلك الفاء في قوله {فَهُمْ غَافِلُونَ}، وكقوله في «القصص»: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا ولكن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} [القصص: 46] الآية، وكقوله في «سبأ» {وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ} [سبأ: 44]، وكقوله في «ألم السجدة»: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} [السجدة: 3] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.

وأجابوا عن الوجه الرابع - بأن تلك الأحاديث الورادة في صحيح مسلم وغيره أخبار آحاد يقدم عليها القاطع، وهو قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، وقوله: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بلى} [الملك: 8 - 9]، ونحو ذلك من الآيات.

وأجاب القائلون بالعذر بالفترة أيضاً عن الآيات التي استدل بها مخالفوهم كقوهل: {وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أولئك أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء: 18]، إلى آخر ما تقدم من الآيات - بأن محل ذلك فيما إذا أرسلت إليهم الرسل فكذبوهم بدليل قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15].

وأجاب القائلون بتعذيب عبدة الأوثان من أهل الفترة عن قول مخالفيهم: إن القاطع الذي هو قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} يجب تقديمه على أخبار الآحاد الدالة على تعذيب بعض أهل الفترة، كحديثي مسلم في صحيه المتقدمين - بأن الآية عامة، والحديثين كلاهما خاص في شخص معين.

والمعروف في الأصول أنه لا يتعارض عام وخاص. لأن الخاص يقضي على العام كما هو مذهب الجمهور، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، كم بيناه في غير هذا الموضع.

فما أخرجه دليل خاص خرج من العموم، وما لم يخرجه دليل هاص بقي داخلاً في العموم. كما تقرر في الأصول.

واجاب المانعون بأن هذا التخصيص يبطل حكمه العام. لأن الله جل وعلا تمدح بكمال الإنصاف. وأنه لا يعذب حتى يقطع حجة المعذب بإنذار الرسل في دار الدنيا، واشار لأن ذلك الإنصاف الكامل، والإعذار الذي هو قطع العذر عله لعدم التعديب. فلو عذب إنساناً واحداً من غير إنذار لأختلت تلك الحكمة التي تمدح الله بها، ولثبتت لذلك الإنسان الحجة التي أرسل الله الرسل لقطعها. كما بينه بقوله: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} [النساء: 165] الآية، وقوله: {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير