تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى} [طه: 134] كما تقدم إيضاحه.

وأجاب المخالفون عن هذا - بأنه لو سلم أن عدم الإنذار في دار الدنيا علة لعدم التعذيب في الآخرة، وحصلت علة الحكم التي هي عدم الإنذار في الدنيا، مع فقد الحكم الذي هو عدم التعذيب في الآخرة للنص في الأحاديث على التعذيب فيها. فإن وجود علة الحكم مع فقد الحكم المسمى في اصطلاح أهل الأصول، وعقد الأقوال في ذلك صاحب «مراقي السعود» بقوله في مبحث القوادح:

منها وجود الوصف دون الحكم ... سماه بالنقض وعاة العلم

والأكثرون عندهم لا يقدح ... بل هو تخصيص وذا مصحح

وقد روي عن مالك تخصيص ... أن يك الاستنباط لا التنصيصص

وعكس هذا قد رآه البعض ... ومنتفى ذي الاختصار النقض

إن لم تكن منصوصة بظاهر ... وليس فيما استنبطت بضائر

إن جار لفقد الشرط أو لما منع ... والوفق في مثل العرايا قد وقع

فقد أشار في الأبيات إلى خمسة أقوال في النقض: هل هو تخصيص، أو إبطال للعلة، مع التفاصيل التي ذكره في الأقوال المذكورة.

واختار بعض المحققين من أهل الأصول: ان تخلف الحكم عن الوصف إن كان لأجل مانع منع من تأثير العلة، أو لفقد شرط تأثيرها فهم تخصيص للعلة، وإلا فهو نقض وإبطال لها. فالقتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص إجماعاً.

فإذا وجد هذا الوصف المركب الذي هو القتل العمد العدوان، ولم يوجد الحكم الذي هو القصاص في قتل الوالد ولده لكون الأبوة مانعاً من تاثير العلة في الحكم - فلا يقال هذه العلة منقوضة لتخلف الحكم عنها في هذه الصورة، بل هي علة منع من تاثيرها مانع. فيخصص تاثيرها بما لم يمنع منه مانع.

وكذلك من زوج أمته من رجل، وعره فزعم له أنهاحرة فولد منها. فإن الولد يكون حراً، مع أن رق الأم علة لرق الولد إجماعاً. لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها. لأن الغرور مانع منع من تأثير العلة التي هي رق الأم في الحكم الذي هو رق الولد.

وكذلك الزنى: فإنه علم للرجم إجماعاً.

فإذا تخلف شرط تأثير هذه العلة التي هي الزنى في هذا الحكم الذي هو الرجم، ونعني بذلك الشرط الإحصان. فلا يقال إنها علة منقوضة، بل هي علة تخلف شرط تاثيرها. وأمثال هذا كثيرة جداً. هكذا قاله بعض المحقيقين.

قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر: أن آية «الحشر» دليل على أن النقض تخصيص للعلة مطلقاً، والله تعالى أعلم. ونعني بآية «الحشر» قوله تعالى في بني النضير: {وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدنيا وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابُ النار} [الحشر: 3].

ثم بين جل وعلا علة هذا العقاب بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} [الحشر: 4] الآية. وقد يوجد بعض من شاق الله ورسوله، ولم يعذب بمثل العذاب الذي عذب به بو النضير، مع الاشتراك في العلة التي هي مشاقة الله ورسوله.

فدل ذلك على أن تخلف الحكم عن العلة في بعض الصور تخصيص للعلة لا نقض لها. والعلم عند الله تعالى.

أما مثل بيع التمر اليابس بالرطب في مسألة بيع العرايا فهو تخصيص للعلة إجماعاً لا نقض لها. كما أشار له في الأبيات بقوله:

والوفق في مثل العرايا قد وقع ... قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أن التحقيق في هذه المسألة التي هي: هل يعذ المشركون بالفترة أو لا؟ هو أنهم معذورون بالفترة في الدنيا، وان الله يوم القيامو يمتحنهم بنار يأمرهم بافتحامها. فمن اقتحمها دخل الجنة وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا. ومن امتنع دخل النار وعذب فيها، وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا. لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل.

وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق في هذه المسألة لأمرين:

الأول - أن هذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبوته عنه نص في محل النزاع. فلا وجه للنزاع ألبتة مع ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير