وظن الكوثري أن المجال اتسع أمامه للطعن بأئمة الحديث، فانتهز هذه الفرصة وقال في تعليقته: "ولأمثالهم (كثرة) بين الرواة على اختلاف القرون، بل (غالبهم) بمجرد تعلّمهم حروف التهجي في الكتاتيب ينصرفون إلى الرواية وإلى مجالس السماع من صغرهم قبل تحصيل مبادئ العلوم الضرورية، فيبقون من أبعد خلق الله عن النظر والتبصر ... وإن كان بين هؤلاء من شُهر بالرواية لكن لم يزالوا على عاميتهم لبعدهم عن أهل العلم، وعدم ممارستهم النظر، وتعودهم أن يعيشوا أمة وحدهم مغترين بكثرة الملازمين لهم لتحمل ما عندهم من الروايات"
وبعد أن أرسل الكوثري هذه الشتائم إلى (الكثرة) من علماء الحديث بل (غالبهم) غير متقيد بأهل قرن من القرون؛ خطر على باله حينئذ خاطرٌ خبيث وهو أن يرمي تمرتين بحجر واحد، فيرد على الأستاذ - محمد عبده -كلمة له مشهورة في كتاب الإسلام والنصرانية وأن ينتقم لمن ذمّهم الشيخ محمد عبده ممن كان يجلهم –رحمه الله- ويحترم مقامهم.
رأى الكوثري أن الأستاذ الشيخ محمد عبده يقول في غلمان الترك الذين استعجم الإسلام على أيديهم زمن الدولة العباسية: "جاءوا إلى الإسلام بخشونة الجهل يحملون ألوية الظلم، لبسوا الإسلام على أبدانهم ولم ينفذ منه شيء إلى وجدانهم، وكثير منهم كان يحمل آلهة معه يعبده في خلوته ويصلي مع الجماعات لتمكين سلطته، ثم عدا على الإسلام آخرون كالتتار وغيرهم، ومنهم من تولَّى أمره. أي عدو لهؤلاء أشد من العلم للذي يعرف الناس منزلتهم ويكشف لهم قبح سيرهم".
رأي الكوثري أن الأستاذ يقول ذلك في أجناد الترك ومماليكهم زمن المعتصم ومن بعده، فأراد أن ينتقم لهم من المحدثين في الأقطار العربية فقال في هذه التعليقات الخبيثة ذاكراً (الكثرة) من أهل الحديث بل (غالبهم): "ولم يستأصل الإسلام من عقولهم بعدُ شأفة نحلهم التي كانوا عليها قبل الإسلام من يهودية بفلسطين، ونصرانية بالشام، ووثنية بالبادية، وصابئية بحران وواسط عبَدة الأجرام العلوية وغيرها من قدماء المشبهة، ظانين ما هم عليه هو الاعتقاد الصحيح!! ".
هذا بعض ما يقوله الكوثري في (غالب) علماء الحديث، وقد وقف حياته على البحث عما يقوله الخصوم في خصومهم ليذيعه في هذه التعليقات فيهدم حرمة الأئمة من قلوب الأمة.
وقد بلغ به الأمر أن أقنع صديقنا الفاضل ناشر تعليقاته بأن في دار الكتب الظاهرية كتاباً بخط شيخ الإسلام ابن تيمية قال فيه بالتجسيم. ودارُ الكتب الظاهرية كان أبي رحمه الله أمينها ونشأتُ منذ طفولتي بين جدرانها، وكان اثنان في دمشق يقرآن خط شيخ الإسلام ابن تيمية؛ أحدهما كاتب هذه السطور والذي طُبع من كتبه نقلاً عن خطه كان منقولاً بقلمي وأنا من أعرف الناس بكتب ابن تيمية المكتوبة بخطه. فقلت لصديقي: إن كان هذا موجوداً بخط ابن تيمية فأنا مستعد لأعلن على رؤوس الأشهاد انضمامي إلى رأي الكوثري في هذه المسألة. وأما إن عجزتم عن إظهار ذلك بخط شيخ الإسلام فيكفي أن تعلم أيها الصديق أنك قد خُدعت وأن هذه الفرية فرية شعوبي عدو لسلفنا، معتدٍ على علمائنا يقول بقاعدة "الغاية تبرر الواسطة"
ومن أمثلة بغضه للسلف أنه لما أراد أن يكتب ترجمة الإمام ابن قتيبة في ثلاثة سطور لم يجد ما يقوله فيه غير هذه الكلمات:
"هو صاحب التصانيف أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة، أحد أئمة الأدب، إخباري قليل الرواية، قد يعتمد في التشبيه على ما يرويه من كتب أهل الكتاب، يُتهم بالنصب، كذَّبه الحاكم ووثَّقه غيره. مات عام ست وسبعين ومائتين".
فانظر إلى هذه الصورة الكاذبة التي يصور الكوثري بها إماماً عظيماً كان خادماً للقرآن، مدافعاً عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وسيلقى الله عز وجل وفي يده كتاب من تصنيفه في الرد على المشبهة يكذب به هؤلاء المستجيزين سبه والافتراء عليه. وحسب ابن قتيبة قول الخطيب البغدادي فيه "كان ثقة ديناً فاضلاً" وثناء العلماء عليه من أيامه إلى عهد الحافظ الذهبي القائل "ما علمت أحداً اتهمه في نقله" ثم إلى زمان الجلال السيوطي الذي كان ممن أحسن الثناء عليه. بل حسبُه أن أهل المغرب كانوا يقولون "من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يُتهم بالزندقة" ويقولون "كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه لا خير فيه"
إن ما يقوله الكوثري في علمائنا لو قال أقلَّ منه طه حسين وسلامة موسى لأقمنا القيامة عليهما، والمهمة التي انتدب لها الكماليون لا حاجة بها إلى من يُكملها في بلاد لا تزال تعرف للسلف أقدراهم وفضلهم).
قلتُ: 1 - حاول الكوثري الهالك التشويش على الخطيب في كتابه " .. البرهان " (حققه مؤخرًا السقاف!).
2 - تعليقات الكوثري الجهمي على الكتاب السابق تحتاج إلى من يتعقبها؛ لأن الخطيب لم يذكر إلا بعضها، وهي مما يُكرره في جميع تعليقاته، ولعل الشيخ الفهيد قد أتى عليها في هذه الرسالة:
http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=32
¥