فنقول وبالله التوفيق أما الحكم الذي يرجع إلى الآخرة وهو ما ذكرنا من الإباحة والرخصة والحرمة المطلقة فلا يختلف التخيير بين المباح والمرخص أنه يبطل حكم الرخصة أعني به أن كل ما يباح
حالة التعيين يباح حالة التخيير وكل ما لا يباح ولا يرخص حالة التعيين لا يباح ولا يرخص حالة التخيير وكل ما يرخص حالة التعيين يرخص حالة التخيير إلا إذا كان التخيير بين المباح وبين المرخص
وبيان هذه الجملة إذا أكره على أكل ميتة أو قتل مسلم يباح له الأكل ولا يرخص له القتل وكذا إذا أكره على أكل ميتة أو أكل ما لايباح ولا يرخص حالة التعيين من قطع اليد وشتم المسلم والزنا يباح له الأكل ولا يباح شيء من ذلك ولا يرخص كما في حالة التعيين ولو امتنع من الأكل حتى قتل يأثم كما في حالة التعيين ولو أكره على القتل والزنا لا يرخص له أن يفعل أحدهما ولو امتنع عنهما لا يأثم إذا قتل بل يثاب كما في حالة التعيين ولو أكره على القتل أو الإتلاف لمال إنسان رخص له الإتلاف ولو لم يفعل أحدهما حتى قتل لا يأثم بل يثاب كما في حالة التعيين وكذا إذا أكره على قتل إنسان وإتلاف مال نفسه يرخص له الإتلاف دون القتل كما في حالة التعيين ولو امتنع عنهما حتى قتل لا يأثم وكذا لو أكره على القتل أو الكفر يرخص له أن يجري كلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ولا يرخص له القتل ولو امتنع حتى قتل فهو مأجوركما في حالة التعيين
فأما إذا أكره على أكل ميتة أو الكفر لم يذكر هذا الفصل في الكتاب
وينبغي أن لا يرخص له كلمة الكفر أصلا كما لا يرخص له القتل لأن الرخصة في إجراء الكلمة لمكان الضرورة ويمكنه دفع الضرورة بالمباح المطلق وهو الأكل فكان إجراء الكلمة حاصلا باختياره مطلقا فلا يرخص له والله أعلم
وجاء فى المبسوط لأبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي
جزء 7 - صفحة 269
إنما التقية باللسان ليس باليد يعني القتل والتقية باللسان هو إجراء كلمة الكفر مكرها وعن (حذيفة - رضي الله عنه - قال: فتنة السوط أشد من فتنة السيف قالوا له: وكيف ذلك؟ قال: إن الرجل ليضرب بالسوط حتى يركب الخشب يعني الذي يراد صلبه يضرب بالسوط حتى يصعد السلم وإن كان يعلم ما يراد به إذا صعد)
وفيه دليل أن الإكراه كما يتحقق بالتهديد بالقتل يتحقق بالتهديد بالضرب الذي يخاف منه التلف
والمراد بالفتنة العذاب قال الله تعالى: {ذوقوا فتنتكم} (الذاريات: 14) وقال الله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} (البروج: 10) أي عذبوهم فمعناه عذاب السوط أشد من عذاب السيف لأن الألم في القتل بالسيف يكون في ساعته
وتوالي الألم في الضرب بالسوط إلى أن يكون آخره الموت
قال صاحب الكتاب
الإمام أبو الحسين أحمد بن محمد القدوري البغدادي 362 - 428. هـ
جزء 1 - صفحة 290
61 - كتاب الإكراه
الإكراه يثبت حكمه إذا حصل ممن يقدر على إيقاع ما توعد به سلطانا كان أو لصا
وإذا أكره الرجل على بيع ماله أو على شراء سلعة أو على أن يقر لرجل بألف أو يؤاجر داره - وأكره على ذلك بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس المديد - فباع أو اشترى فهو بالخيار: إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه
وإن كان قبض الثمن طوعا فقد أجاز البيع وإن كان قبضه مكرها فليس بإجازة وعليه رده إن كان قائما في يده وإن هلك المبيع في يد المشتري وهو غير مكره ضمن قيمته
وللمكره أن يضمن المكره إن شاء
ومن أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر - وأكره على ذلك بحبس أو ضرب أو يد لم يحل له إلا أن يكره بما يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه فإذا خاف ذلك وسعه أن يقدم على ما أكره عليه ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به فإن صبر حتى أوقعوا به ولم يأكل فهو آثم
وإن أكره على الكفر بالله عز وجل أو سب النبي عليه الصلاة والسلام: بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراها حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه
فإذا خاف ذلك وسعه أن يظهر ما أمروه به ويوري فإذا أظهر ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه وإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا
اللباب في شرح الكتاب
جزء 4 - صفحة 16
(ومن أكره على أن يأكل الميتة) أو الدم أو لحم الخنزير (أو يشرب الخمر
وأكره على ذلك) بغير ملجئ
¥