والحديث الثاني عن سعيد بن زيد قال (لقد رأيتُني وإن عمر مُوثِقِي على الإسلام) الحديث، وفيه أن عمر بن الخطاب ــ قبل إسلامه ــ كان يوثق سعيد بن زيد
ويقيّده ليرتد عن الإسلام، ولم يكن القيد ليرخص له في ذلك وفيه إشارة للرد على الشافعية في قولهم إن الحبس والقيد إكراه على الردة.
ثم ذكر البخاري حديث خباب مرفوعا (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصدّه ذلك عن دينه) الحديث، وفيه أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من اختاروا القتل والعذاب على الكفر وامتدحهم، ويشير البخاري بذلك إلى الدليل الموافق للإجماع على أن من اختار القتل على الكفر أنه أعظم أجراً. والأحاديث الثلاثة المذكورة هنا أرقامها (6941 و 6942 و 6943).
وبعد هذا التوضيح والبيان لحد الاكراه المعتبر فى اظهار الكفر بالله , يمكننا ان نقول ان الراجح فيه هو ان يكون الاكراه المعتبر فى اظهار الكفر بالله العظيم هو الاكراه الملجئ وهو الاكراه الذى يعدم فيه الرضا ويفسد الاختيار
او هو الذي لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار
او هو الذي يصير به الفعل منه كلافعل.
وهذا لايتحقق الا اذا كان ماهدد به الشخص هو القتل او قطع احد الاعضاء او الضرب الشديد الذى يخاف منه تلف احد الاعضاء ومادون ذلك فليس بأكراه معتبر لاظهار الكفر بالله والله اعلم.
ولايفوتنا ان نتطرق لامر مهم ذكره العلماء اثناء تحقيقهم لهذه المسألة وهى وجوب التزام التوريه فى حالة اظهارالكفر ان خطر على بال المكره ذلك.
يقول القرطبى فى تفسيره
فى ج10 ص170
السابعة عشرة: قال المحققون من العلماء: إذا تلفظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه
إلا مجرى المعاريض فإن المعاريض لمندوحة عن الكذب ومتى لم يكن كذلك كان كافرا
لأن المعاريض لا سلطان للإكراه عليها مثاله: أن يقال له اكفر بالله فيقول باللاهي فيزيد الياء وكذلك إذا قيل له: اكفر بالنبي فيقول هو كافر بالنبي مشددا وهو المكان المرتفع من الأرض ويطلق على ما يعمل من الخوص شبه المائدة فيقصد أحدهما بقلبه ويبرأ من الكفر ويبرأ من إثمه فإن قيل له: اكفر بالنبيء مهموزا فيقول هو كافر بالنبيء يريد بالمخبر أي مخبر كان كطليحة ومسيلمة الكذاب أو يريد به النبيء الذي قال فيه الشاعر:
(فأصبح رتما دقاق الحصى ... مكان النبيء من الكاثب)
اللباب في شرح الكتاب
جزء 4 - صفحة 16
(وإن أكره على الكفر بالله) عز وجل (أو سب النبي صلى الله عليه وسلم
بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراها)
لأن الإكراه بهذه الأشياء ليس بإكراه في شرب الخمر كما مر ففي الكفر أولى
بل (حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه فإذا خاف ذلك وسعه أن يظهر) على لسانه (ما أمروه به ويورى) وهي أن يظهر خلاف ما يضمر (فإذا أظهر ذلك) على لسانه (وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه) لأنه بإظهار ذلك لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إلى إظهار ما طلبوه (وإن صبر) على ذلك (حتى قتلوه ولم يظهر الكفر كان مأجورا) لأن الامتناع لإعزاز الدين عزيمة
ـ[المصلحي]ــــــــ[04 - 01 - 08, 09:35 م]ـ
اخي الكريم: ابا تراب: جزاك الله خيرا على هذه الفائدة.
اخي الكريم: عبد الله الشرقاوي: جزاك الله خيرا على هذه النقولات، وان شاء الله سوف اقراها بتمعن، بارك الله فيك.