"فيبقى قلب العبد الذي هذا شأنه عرشا للمثل الأعلى أي عرشا لمعرفة محبوبه ومحبته وعظمته وجلاله وكبريائه. وناهيك بقلب هذا شأنه فيا له من قلب من ربه ما أدناه ومن قربه ما أحظاه فهو ينزه قلبه أن يساكن سواه أو يطمئن بغيره , فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان وسجدت تحت العرش وأبدانهم في فرشهم , فإذا استيقظ هذا القلب من منامه صعد إلى الله بهمه وحبه وأشواقه مشتاقا إليه طالبا له محتاجا إليه عاكفا عليه , فحاله كحال المحب الذي غاب عن محبوبه الذي لا غنى له عنه ولا بد له منه , وضرورته إليه أعظم من ضرورته إلى النفس والطعام والشراب ,فإذا نام غاب عنه فإذا استيقظ عاد إلى الحنين إليه وإلى الشوق الشديد والحب المقلق فحبيبه آخر خطراته عند منامه وأولها عند استيقاظه [الفوائد 1/ 178]
ومنها: الخضوع له والتسليم لأمره , والوجل عند ذكره ,وهذا شأن من عرف ربه
ثبت في البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ في السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟، قَالُوا لِلذِي قَالَ: الحَقَّ وَهْوَ العَلِىُّ الكَبِيرُ)
وإذا كانت الملائكة في السماء تخشع عند سماع قوله وتفزع عن إلقاء وحيه كما جاء ذلك في قوله: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلوبِهِمْ قَالوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالوا الحَقَّ وَهُوَ العَليُّ الكَبِيرُ) [سبأ:23]، إذا كان هذا أمرها وهذا قولها وفعلها، فحري بالعبد أن يخشع لسماع قوله، ويطمئن قلبه عند ذكره، وأن يتذلل بين يدي مولاه، فيركن إليه ويعتمد عليه ثقة في أنه العلى ولا علي على الإطلاق سواه [أسماء الله الحسنى لمحمود رضوان 5/ 81].
ومنها: أن تنزه ربك العلي عن كل نقص وإذا سمعت من ينسب له ما لا يليق به سبحانه
فأيقن أن أن قدر الله أعلى وأجل من ذلك ولذا تجد أنه سبحانه إذا حكى قول المشركين الجاهلين به سبحانه أو أخبر عن شركهم عقبها بقوله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: 100] ولك في صالحي الجن أسوة {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} [الجن: 3]
ومنها: رفع يديك إليه في الدعاء تذللا ومسكنة , واعترافا منك أنه عالي عليك قدرا
وقدرة , وهذا حال أكثر أدعيته صلى الله عليه وسلم فقد جاء عنه في أكثر من ثمانين موضعا رفع اليدين
*/ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم. قسم القرآن وعلومه
18/ 3/1428
[1] دليل التمانع دليل مشهور بين المتكلمين وهو حق في إثبات توحيد الربوبية، انظر لمع الأدلة في قواعد أهل السنة ص 99، والغنية في أصول الدين ص67، وشرح العقيدة الطحاوية ص87.
[2] انظر: تفسير ابن جرير 15/ 91، والدر المنثور 5/ 288، وتفسير الواحدي 2/ 635. أسماء الله الحسنى د محمود الرضواني 2/ 52