تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعلك تقول: ما معنى كونه تعالى رحيماً، وكونه أرحم الراحمين، والرحيم لا يرى مبتلى ومضروراً ومعذباًًً ومريضاً، وهو يقدر على إماطة ما بهم إلا ويبادر إلى إماطته. والرب سبحانه وتعالى قادر على كفاية كل بلية، ودفع كل فقر وغمة، وإماطة كل مرض وإزالة كل ضرر، والدنيا طافحة بالأمراض والمحن والبلايا، وهو قادر على إزالتها جميعها،وتارك عباده ممتحنين بالرزايا والمحن.

فجوابك: أن الطفل الصغير قد ترق له أمه فتمنعه عن الحجامة والأب العاقل يحمله عليها قهراً والجاهل يظن أن الرحيم هي الأم دون الأب، والعاقل يعلم أن إيلام الأب إياه بالحجامة من كمال رحمته وعطفه وتمام شفقته وأن الأم له عدو في صورة صديق فإن الألم القليل إذا كان سببا للذة الكثيرة لم يكن شرا بل كان خيرا.

وتحت هذا الغطاء سر منع الشرع عن إفشائه فاقنع بالإيماء ولا تطمع في الإفشاء ولقد نُبهت بالرمز والإيماء إن كنت من أهله فتأمل لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي هذا حكم الأكثرين وأما أنت أيها الأخ المقصود بالشرح فلا أظنك إلا مستبصراً بسر الله عز وجل في القدر مستغنياً عن هذه التحويمات والتنبيهات [ينظر: المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى،لأبي حامد الغزالي 1/ 64].

شواهد رحمة الله:

إن كل ما يراه الإنسان من الإنعام والإحسان ومن شواهد التدبير والتصريف الإلهي فهو من شواهد رحمة الله عز وجل، فكل ما هو مشاهد ومغيب من النعم والإحسان والكرم الفضل كل أولئك من آثار رحمته ومن ذلك:

نعمة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن؛ولذا قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ* علمه البيان}. وهذه النعم أعظم من إنزال المطر وإنبات الزرع وتسخير الكون: الليل والنهار، والشمس والقمر،لأن إنزال القرآن رحمة لأن بها يحصل حياة الأرواح والقلوب.

ومن أعظم شواهد رحمة الله تعلم القرآن ولهذا نزلت سورة كاملة بهذا الاسم سورة «الرحمن» ابتدأت بهذا الاسم: {الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علَّمه البيان} فهذه ثلاثة من أعظم النعم فنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، كلها من رحمته سبحانه، وليس للإنسان فيها يد.

ومن شواهد الرحمة:

السكينة التي يجدها المؤمنون في معية ربهم فما دام المؤمن مع الله فإن رحمة الله وعنايته تصحبه، ولو كان في غار مظلم موحش فالفتية أصحاب الكهف سألوا ربهم أن يصيبهم برحمته {إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً}، {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً}. فإذا الغار الموحش المظلم يغدو فسيحاً مضيئاً، وإذا الكهف الكئيب يصبح مع العيش طيباً سعيداً! إنها رحمات الله سبحانه ونفحاته تهون تلك الوحشة، وتفسح ذلكم الضيق.

يتبع في الحلقة القادمة بإذن الله ...

* / كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم - الدراسات العليا

25/ 3/1428

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير