الأول: كثرة الأحاديث الدالة على كثرة الاستعمال، فلو كان الأدب بخلافها، لما كثرت هذه الكثرة، ولما وجه النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ المماليك إلى قول ذلك، بل إنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عدل بالمماليك إلى قول هذا اللفظ عن قول الألفاظ الأخرى المستبشعة في حق المخلوق نحو: (ربي).
الثاني: قال الشيخ سليمان بن حمدان ـ رحمه الله تعالى ـ: ((قال في إبطال التنديد: وهذان الحديثان دليل على الأدب مع الله ـ عز وجل ـ، وقوله: ((أنا سيد ولد آدم)) وشبهه دليل على الجواز، فأقول: إذا كان الحديثان دليلا على الأدب مع الله ـ عز وجل ـ فما الذي أجاز سوء الأدب ومخالفة الأحاديث الصحيحة؟.
أما الاستدلال على جواز سوء الأدب بقوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، فلا يدل على الجواز؛ لأن هذا إخبار منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عما فضله الله به على البشر، تحدثا بنعمة الله ـ تعالى ـ عليه، عملا بقوله: â وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ? (80 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn80)) . . . )) ( 81 (http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn81))
6- حمل النهي عن اتخاذ ذلك عادة شائعة؛ لأنها ربما أورثت كبرا، وحمل الجواز على استعمال ذلك في النادر (82 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn82)) .
وهذا القول متعقب بتوجيه النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ المماليك إلى قول ذلك، ومعلوم أن كون المماليك يقولون ذلك، يعني أنه سيكون عادة شائعة.
المناقشة والترجيح:
بعد النظر في الأقوال السابقة وأدلة كل فريق ظهر لي جواز إطلاق ذلك على المخلوق بشروط:
أحدها: عدم إرادة أي معنى من معاني الربوبية أو الألوهية، فإذا أريد شيء من ذلك فلا.
ومن ذلك: أن يلمح في هذا اللفظ معنى السيادة العامة على جميع الخلق.
وبه يوجه قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما خوطب بالسيادة: ((السيد الله))، فإنه لما كان التعريف بأل يفيد ذلك، منع من ذلك، ووجههم لما هو أحسن.
وأما إذا لم يلمح ذلك فلا مانع من إطلاقه؛ لإطلاق القرآن ذلك في حق يحيى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ ولإطلاقه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هذا اللفظ على بعض الناس، كما في الأحاديث السابقة.
قال الشيخ حسين (ت1224) وعبد الله (ت 1243) ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله تعالى ـ: ((قول: سيدي ونحوه، إن قصد به أن ذلك الرجل معبوده الذي يدعوه عند الشدة لتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، فإن ذلك شرك أكبر، وأما إن كان مراده غير ذلك، كما يقول التلميذ لشيخه: سيدي، أو يقال للأمير والشريف، أو لمن كان من أهل بيت رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: هذا سيد، فلا بأس به، ولكن لا يجعل عادة وسنة بحيث لا يتكلم إلا به)) (83 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn83)) .
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (ت 1292) ـ رحمه الله تعالى ـ لما سئل عن حكم إطلاقه على المخلوق: ((هذه الألفاظ تستعملها العرب على معان كسيادة الرئاسة والشرف ... فإطلاق هذه الألفاظ على هذا الوجه معروف لا ينكر، وفي السنة من ذلك كثير، وأما إطلاق ذلك في المعاني المحدثة كمن يدعي أن السيد هو الذي يدعى ويعظم ... فهذا لا يجوز، بل هو من أقسام الشرك)) (84 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn84)) .
وقال الشيخ محمد بشير السهسواني (ت 1326) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((فالنهي عن إطلاق السيد والمولى على غير الله محمول على السيد والمولى بمعنى الرب، والرخصة محمولة عليهما بمعنى آخر من سائر المعاني)) (85 ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/122/3.htm#_ftn85)) .
ويقول صديق حسن خان (ت1307) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((ولفظ السيد له معنيان:
أحدهما: أن السيد هو الذي يكون مالكا مختارا بنفسه وحده، ولا يكون محكوما عليه من أحد، بل يكون حاكما مستقلا بذاته كشأن الملوك في الدنيا، فهذا الأمر إنما هو شأن الله ـ تعالى ـ ليس غيره سيدا بهذا المعنى.
¥