قال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله: [الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد، وإنما هو العمل والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها].
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: [فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة والمحبة والتوكل وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات].
مراتب التعبد بالأسماء والصفات:
تنقسم هذه العبادة إلى مراتب،وهي راجعة إلى يقين القلب وخضوعه وذله لله جل جلاله،وتفاوت الناس في هذه العبادة بحسب تفاوتهم في معرفة النصوص النبوية وفهمها والعلم بفساد الشُبَه المخالفة لحقائقها.
قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: [وقد يحصل التحديق إلى هذه الصفات من غير تذكر ولا استحضار،والعارفون متفاوتون في كثرة ذلك وقلته وانقطاعه ومداومته،فهم في رياض المعرفة يتقلبون،ومن نضارة ثمارها يتعجبون،ولا تستمر الأحوال لأحد منهم على الدوام والاتصال لتقلب القلوب وتنقل الأحوال، والغفلات حجب على العارف مسدلات،إن أسدلت على جميعها نكص العارف إلى طبع البشر،فربما وقعت منه الهفوات والزلات فإذا انكشف الحجاب عن بعض الصفات ظهرت آثار تلك الصفة وأينعت أثمارها].
وأكمل الناس في هذا الباب من تعبد الله بجميع أسمائه وصفاته ونال قصب السبق في عبودية الله بها،وهذه منزلة تحقيق العبودية بالأسماء والصفات، قال ابن القيم رحمه الله: [وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم أو يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع أو عبودية اسمه الرحيم والعفو والغفور عن اسمه المنتقم أو التعبد بأسماء التودد والبر واللطف والإحسان عن أسماء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء ونحو ذلك وهذه طريقة الكمل من السائرين إلى الله وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن قال الله تعالى: [وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [180]] [الأعراف]].
ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:
1ـ أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفق، فإذا علم العبد ذلك؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بالعبد.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: [وأحب الخلق إلى الله من اتصف بمقتضيات صفاته فانه كريم يحب الكريم من عباده وعالم يحب العلماء وقادر يحب الشجعان وجميل يحب الجمال ... ،وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء وإنما يرحم من عباده الرحماء وهو ستير يحب من يستر على عباده وعفو يحب من يعفوا عنهم من عباده وغفور يحب من يغفر لهم من عباده ولطيف يحب من اللطيف من عباده ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ ورفيق يحب الرفق وحليم يحب الحلم ... ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة, فالله تعالى لعبده على ما حسب ما يكون العبد لخلقه ... ،فكما تدين تدان وكن كيف شئت فان الله تعالى لك كما تكون أنت لعباده].
2ـ تورث تعظيمه تعالى:قال الشيخ السعدي رحمه الله: وهو تعالى موصوف بكل صفة كمال , وله من ذلك الكمال الذي وصف به أكمله وأعظمه وأجله , فله العلم المحيط , والقدرة النافذة , والكبرياء والعظمة , حتى أن من عظمته أن السموات والأرض في كف الرحمن كالخردلة في يد المخلوق , ... وهو تعالى ... يستحق على العباد أن يعظموه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم, وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته, والذل له والخوف منه, وإعمال اللسان بالثناء عليه, وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيمه أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى, ويشكر فلا يكفر, ومن تعظيمه وإجلاله أن لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه, بل يخضع لحكمته, وينقاد لحكمه.
¥