يعلي وغيره فلهم في المسألة قولان كما تقدم بيانه وعلى هذا فلا يرد السؤال ومنهم من اصحاب احمد وغيره من ينفي المماسة ومنهم من يقول لا اثبتها ولا أنفيها فلا اقول هو مماس مباين ولا غير مماس ولا مباين ........ )
إلى أن قال في جواب الإشكال السابق: ( ... ولكن نذكر جواباً عاماً فنقول:
كونه فوق العرش ثبت بالشرع المتواتر وإجماع سلف الأمة مع دلالة العقل ضرورة ونظراً أنه خارج العالم فلا يخلو مع ذلك:
- إما أن يلزم أن يكون مماساً أو مبايناً أولا يلزم.
فإن لزم أحدهما كان ذلك لازماً للحق، ولازم الحق حق، وليس في مماسته للعرش ونحوه محذور كما في مماسته لكل مخلوق من النجاسات والشياطين وغير ذلك؛ فإن تنزيهه عن ذلك انما أثبتناه لوجوب بعد هذه الأشياء وكونها ملعونة مطرودة لم نثبته لاستحالة المماسة عليه، وتلك الأدلة منتفية في مماسته للعرش ونحوه كما روي في مس آدم وغيره، وهذا جواب جمهور أهل الحديث وكثير من أهل الكلام وإن لم يلزم من كونه فوق العرش أن يكون مماساً أو مبايناً فقد اندفع السؤال فهذا الجواب هنا قاطع من غير حاجة إلى تغيير القول الصحيح في هذا المقام .. ) بيان تلبيس الجهمية (2/ 556)
وهنا ينبغي أن يعلم أمر مهم وهو المراد بالمباينة في كلام السلف وغيرهم إذ تطلق المباينة ويراد بها ثلاثة أمور:
الأمر الأول: المباينة التي تقابل المماثلة:
ومنه قول الحسن البصري رحمه الله: " رأيناهم متقاربين فى العافية فاذا جاء البلاء تباينوا تباينا عظيما " أى تفاضلوا وتفاوتوا ويقال: يقال هذا قد بان عن نظرائه أى خرج عن مماثلتهم ومشابهتهم ومقاربتهم بما امتاز من الفضائل ويقال بين هذا وهذا بون بعيد وبين بعيد.
وهذا النوع متفق عليه بين أهل السنة والنفاة وهو نفي مماثلة الله لخلقه او مماثلتهم له فالمباينة هنا ثابتة لله عز وجل.
والمخالف هنا هم الممثلة.
الأمر الثاني: المباينة التي تقابل المحايثة والمجامعة والمخالطة والمداخلة والمخارجة:
ومنه قول كثير من السلف كابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية والبخارى وابن خزيمة وعثمان بن سعيد وغيرهم أن الله عز وجل فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه.
وهذه المباينة ثابتة لله عز وجل باتفاق السلف.
والمخالف هنا هم أهل الحلول والاتحاد.
الأمر الثالث: المباينة التي تقابل الملاصقة والمماسة:
وهذه المباينة أخص من الأولى وعليه فقد يكون الشيء مباينا ومماساً ويكون المراد بالمباينة مع المماسة المباينة العامة التي تقابل المحايثة والمخالطة فكل من المباينة الخاصة والمماسة يدخل في المباينة العامة.
وهذه المباينة التي تقابل اللماسة هي التي سبق ذكرها ونقل كلام ابن تيمية رحمه الله فيها.
والله أعلم.