فأهل السنة والجماعة أكثر الناس رضاً ويقيناً، وطمأنينة وإيماناً، وأبعدهم عن الحيرة والاضطراب، والتخبط والتناقض.
حتى أنه يوجد من عوام أهل السنة، من برد اليقين وحسن المعتقد، والبعد عن الحيرة، ما لا يوجد عند علماء الطوائف الأخرى، وحذاقهم من أهل الكلام وغيرهم ممن اضطربوا في تقرير عقائدهم، فحاروا وحيروا، وتعبوا واتعبوا، ولم يكن هذا ليحصل لهؤلاء لولا أنهم التمسوا الهدى من غير مظانه.
أين هؤلاء من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذ يقول:" أصبحت ومالي سرور إلا في مواطن القضاء والقدر".
وأين هم من شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عندما أُقتيد إلى السجن وقال كلمته:" ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أينما رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة" ويقول أيضاً رحمه الله:" إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ".
38. رفضهم التأويل المذموم:
الذي هو حقيقته صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى احتماله المرجوح، فهذا النوع من التأويل هو الذي ذمه السلف، وحذروا منه ولهذا أهل السنة يرفضونه ولا يقبلونه، لعلمهم بخطره وإدراكهم لضرره، فهو عدو الرسالات بسببه قتل عثمان رضي الله عنه، وبسببه اعتزلت المعتزلة وترفضت الرافضة وخرجت الخوارج.
39.الاعتقاد الجازم بأنه لا يسع أحد الخروج عن شريعة محمد –صلى الله عليه وسلم-:
فهم يرون أن العبد لا تنفك عبوديته لرب العالمين، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يدين بدين غير الإسلام، أو أن يتبع شريعة غير شريعة النبي –صلى الله عليه وسلم-، بل يرون أن العبد يجب عليه أن يعبد ربه حتى يأتيه اليقين، قال تعالى "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُط" [الحجر:99]، واليقين هنا الموت.
خلافاً للذين يتحاكمون لغير الشريعة الإسلامية، وخلافاً لمن يرون أن الشريعة الإسلامية قد نسخت بشريعة أخرى، كما تدعي ذلك البابية، والبهائية، والقاديانية.
وخلافاً للصوفية الذين يرون أن العبد إذا ترقى في مقام الشهود للحقيقة الكونية زالت عنه الحجب وأتاه اليقين، ورفعت عنه التكاليف الشرعية، فلم يعد له حاجة بعد ذلك إلى صلاة أو صيام أو غير ذلك – عياذاً بالله من الزندقة-.
40. الوسطية:
فالوسطية: من أعظم ما يتميز به أهل السنة والجماعة.
فكما أن أمة الإسلام وسط بين الأمم التي تجنح إلى الغلو الضار، والأمم التي تميل إلى التفريط المهلك، فكذلك أهل السنة والجماعة متوسطون بين فرق الأمة المبتدعة التي انحرفت عن الصراط المستقيم.
وتتجلى وسطية أهل السنة والجماعة في شتى الأمور، سواء في باب العقيدة، أو الأحكام، أو السلوك، أو الأخلاق، أو غير ذلك.
?. ومن مظاهر تلك الوسطية:
أ - أهل السنة والجماعة وسط في باب صفات الله بين أهل التعطيل وأهل التمثيل:
فأهل التعطيل أنكروا الصفات ونفوها، وأهل التمثيل أثبتوها وجعلوها مماثلة لصفات المخلوقين.
أما أهل السنة والجماعة فهم يثبتون الصفات لله تعالى إثباتاً بلا تمثيل، وينزهونه عن مماثلة المخلوقات تنزيهاً بلا تعطيل.
فجمعوا أحسن ما عند الفريقين، يعني: التنزيه والإثبات، وتركوا ما أخطأوا وأساءوا فيه من التعطيل والتمثيل.
ب - وسط في باب الوعد بين المرجئة وبين الوعيدية:
فالمرجئة قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وزعموا أن الإيمان مجرد التصديق بالقلب، وإن لم ينطق به، وأخروا الأعمال عن الإيمان، وجوزا أن يعذب الله المطيعين، وينعم العاصين.
أما الوعيدية فهم القائلون بإن يجب عليه عقلاً أن يعذب العاصي، كما يجب عليه أن يثيب المطيع، فمن مات على كبيرة ولم يتب منها لا يجوز عندهم أن يغفر الله له.
أما أهل السنة فوسط بين نفاة الوعيد من المرجئة، وبين موجبيه من الوعيدية، فمن مات على كبيرة عندهم فأمره مفوض إلى الله،إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه، وإذا عاقبه بها فإنه لا يخلد خلود الكفار، بل يخرج من النار، ويدخل الجنة.
ت - وسط في مسألة التكفير:
وهذه المسألة داخلة في الفقرة التي تليها.
¥