[نقد القصة الفلسفية " حي بن يقظان"]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[01 - 12 - 07, 01:26 ص]ـ
[نقد القصة الفلسفية " حي بن يقظان"]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فإن من القصص الفلسفية التي لاقت رواجا عند كثير من أبناء جلدتنا قصة حى بن يقظان؛ فقد لاقت هذه القصة رواجا عظيما بين المفكرين وترجمت إلى كثير من اللغات وحاول تقليدها والاقتباس منها فلاسفة وكتاب من مذاهب شتى.
خلاصة القصة أن حي بن يقظان، الذي سميت القصة باسمه ألقى وهو طفل في جزيرة خالية من السكان، فأرضعته ظبية؛ وشب الفتى متوقد الذكاء عظيم المهارة، فكان يصنع حذاءه وأثوابه بنفسه من جلود الحيوان، ودرس النجوم، وشرَّح الحيوانات حية وميتة، حتى وصل في هذا النوع من المعرفة إلى أرقى ما وصل إليه أعظم المشتغلين بعلم الأحياء ثم انتقل من العلوم الطبيعية إلى الفلسفة وعلوم الدين؛ وأثبت لنفسه وجود خالق قادر على كل شيء؛ ثم عاش معيشة الزهاد، وحرم على نفسه أكل اللحم، واستطاع أن يتصل اتصالاً روحياً بالعقل الفعال.
وأصبح حي بعد أن بلغ التاسعة والأربعين من العمر متأهباً لتعليم غيره من الناس. وكان من حسن الحظ أن متصوفاً يدعى آسال استطاع في سعيه إلى الوحدة أن يلقي بنفسه على الجزيرة، فالتقى بحي، وكان هذا أول معرفة له بوجود بني الإنسان.
وعلمه آسال لغة الكلام وسره أن يجد أن حياً قد وصل دون معونة أحد إلى معرفة الله، وأقر لحي بما في عقائد الناس الدينية في الأرض التي جاء منها من غلظة وخشونة، وأظهر له أسفه على أن الناس لم يصلوا إلى قليل من الأخلاق الطيبة إلا بما وعدوا به من نعيم الجنة، وما أنذروا به من عقاب النار. واعتزم حي أن يغادر جزيرته ليهدي ذلك الشعب الجاهل إلى دين أرقى من دينهم وأكثر منه فلسفة.
فلما وصل إليهم أخذ يدعوهم في السوق العامة إلى دينه الجديد وهو وحدة الله والكائنات, لكن الناس انصرفوا عنه أو لم يفهموا أقواله. وأدرك أن الناس لا يتعلمون النظام الاجتماعي إلا إذا مزج الدين بالأساطير، والمعجزات، والمراسيم، والعقاب والثواب الإلهيين.
ثم ندم على إقحامه نفسه فيما لا يعنيه، وعاد إلى جزيرته، وعاش مع آسال يرافق الحيوانات الوديعة والعقل الفعال، وظلا على هذه الحال يعبدان الله حتى الممات!.
انظر قصة الحضارة (4801)
الخلفيات الفكرية لقصة ابن طفيل الفلسفية:
يبين ابن طفيل أن الدافع الذي ألهمه كتابة هذه القصة سؤال أثاره أحد المهتمين بقضايا الخلق والنشوء والارتقاء الذي طلب منه وضع إجابة عن سؤال يتمحور حول أصل المعرفة الإنسانية، وقد قدر لهذا السؤال أن يفجر عبقرية ابن طفيل وأن ينهض بإشراقاته الفلسفية وحدوسه الإنسانية، فتجلت في إبداعه العبقري لهذه القصة، التي شكلت إجابة حيّة عن تساؤلات السائل، وتلبية لفضول العالم في ميدان النشوء والارتقاء وتكون المعرفة. ويصف ابن طفيل الحالة الإشراقية التي اعترته وهو يتأمل في هذا السؤال بقوله: "وانتهى بي هذا السؤال إلى مبلغ من الغربة بحيث لا يصفه إنسان ولا يقوم له بيان غير أن تلك الحال لما لها من البهجة والسرور واللذة والحبور، لا يستطيع من وصل إليها وانتهى إلى حد من حدودها أن يكتم أمرها أو يخفي سرها، بل يعتريه من الطرب والنشاط والمرح والانبساط ما يحمله على البوح بها مجملة دون تفصيل، وإن كان ممن لم تحذقه العلوم قال فيها بغير تحصيل".
بين "حي بن يقظان" و"روبنسون كروزو":
يقابل الأدباء والمفكرون غالباً بين قصة "دانييل ديفو" Daniel De Foe المعروفة "روبنسون كروزو" " Robenson Grousoe" وقصة ابن طفيل في "حي بن يقظان", ويعتقد كثيرون أن دانييل ديفو قد اقتبس ومض قصته هذه من صلب التصورات العبقرية التي جاءت في قصة "حي بن يقظان". فـ"روبنسون كروزو" عاش كما هو حال حي منفرداً وحيداً في جزيرة، لكنه وصل إليها بعد أن تحطمت سفينته على صخور الجزيرة، حيث يستطيع الوصول إلى شاطئ الجزيرة عوماً بعد أن أعياه الجهد وأسقطه التعب نائماً مرهقاً من شدة الإعياء. وعندما أفاق "روبنسون كروزو" من غيبوبته صعد إلى تل قريب مستكشفاً حوله في مطلب للأمن من
¥