تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحيوانات المفترسة والمخاطر المحتملة التي قد تهدد حياته. وبعد أن يشعر بتوفر الأمن يتابع "روبنسون كروزو" البحث عن أولويات الوجود من مأوى ومن طعام. فهاهو يعود عوماً إلى حيث سفينته الغارقة، ليأخذ منها مايمكن أن يحتاج إليه، وينقله إلى الجزيرة .. وهي تسلط الضوء على الفرد حين يعيش وحده في عزلة , وهاهو "روبنسون كروزو" يحفر على شجرة تاريخ وصوله، وصنع لنفسه "أجندة" حتى لا تكرّ الأيام وتمرّ دون أن يدري بها. ونحن هنا كما هو جلي وواضح أمام شخص له تجارب شخصية، بالغة الأهمية فقد وصل الجزيرة كبيراً، ولم يولد عليها كما حدث مع "حي بن يقظان".

الجانب الفلسفي في قصة حي بن يقظان:

يستخدم ابن طفيل الرموز والأساطير في قصته الأدبية "حي بن يقظان" وهو يضع فرضيتين رمزيتين لأصل "حي بن يقظان" وولادته واستقراره في جزيرة من جزر الهند.

في الافتراض الأول: يرى ابن طفيل أن حي توّلد من الطين بلا أم ولا أب، وفي الافتراض الثاني: يرى أن حي هو طفل غير شرعي لأبوين في جزيرة قريبة تزوجا دون علم الملك فوضعا حي عند ولادته في قارب صغير استقر على ضفاف الجزيرة؛ فتلقفته غزالة كانت قد فقدت وليدها فأغدقت عليه عطفها وحنانها وتعهدته بعنايتها حتى استقام له الأمر وشب عن الطوق.

ويمضي ابن طفيل مع الافتراض الثاني، حيث عاش حي وترعرع في الجزيرة بين الطيور والحيوانات وبدأ يكتشف نفسه والعالم الذي حوله عن طريق التأمل والتفكير، وسرعان ما بدأ يطرح الأسئلة الفلسفية الكبرى التي تتعلق بالمعقولات وبأصل الوجود، وفي غمرة تأملاته العقلية واستغراقه الكامل في النظر والتفكير لاح له العالم الروحاني بصوره التي لا تدرك بالحس بل تقبل ذلك بالنظر العقلي والحدس واستطاع حي بمحض فطرته وصدق طويته اكتشاف العلاقة بين العلة والمعلول والفاعل والمفعول بين الوجود وواجب الوجود وبرهن على أن الكون واحد في الحقيقة وأن هذه الوحدة ناجمة عن وحدة الخالق ووحدة التكوين. وبدأ عقله ينقدح تساؤلاً في ماهية الخلق والخالق وقدم الخلق وحدثانه وراح يتساءل هل هو شيء حدث بعد أن لم يكن أم أنه خرج إلى الوجود بعد العدم؟ أم أنه أمر كان موجوداً ولم يسبقه العدم؟ وقد تبين له بالحجة العقلية الدامغة أن لكل حركة محرّك ولكل مخلوق خالق وأن الخالق هو رب العزة خالق الخلق وباعث الرزق وهو الله رب العالمين سبحانه وتعالى جل جلاله وعزّ كماله.

واكتشف بعين العقل وحكمة النظر أن الخالق روح مطلق ونور محض خالص لا بل هو نور لا كالأنوار إذ هو بريء عن المادة منزه عن الصور عظيم بقدرته. وذهب به التأمل وأخذته الفطنة الربانية إلى القول بحدوث العالم بعد أن لم يكن وأن الله أخرجه إلى الوجود وأنه هو القديم الأزل الذي لم يزل.

وهذا يعني أن ابن طفيل قد اكتشف عظمة الخالق ووحدانيته وعظمته وقدمه وحدوث العالم وصيرورة الوجود ونزهة الباري عز وجلّ عن الصورة والصور ووحده ونزهه دون أن يلجأ في ذلك إلى معرفة سابقة وكان تنزيه الباري والكشف عن طبيعة خلقه بمحض التفكير والتأمل والعقل الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للإنسان. فالعقل يكتشف الحقيقة منفرداً وتصفو له المعقولات بعيداً عن النص والرسائل والوحي.

وهذا يعني أن الله وهب الإنسان عقلاً وأن عقل الإنسان قادر على الكشف وألا تناقض هنا مابين الحقيقة الدينية والحقيقة الإيمانية وأن الدين والعقل يتكاملان في الكشف عن الله وعن خلق الوجود, وهنا يريد ابن طفيل أن يعيد الاعتبار للفلسفة والعقل في لجة الصراع بين العقل والنقل والفلسفة والدين. وبعبارة أخرى يريد المصالحة بين الدين والفلسفة والعقل والإيمان ويريد أن يحقق التوافق بينهما في ردّ مستتر يتسم بعبقرية الإجابة عن سؤال العقل والإيمان- هذا في نظر الكاتب -

وعندما بلغ "حي بن يقظان" الخمسين من العمر يأتي إلى الجزيرة رجلان، هما: آسال وسلامان، وهما من أهل ملة الإيمان، فأما الأول فهو من أهل الباطن، وأما الثاني فمن أهل الظاهر، وقد حدث أبسال "حي بن يقظان" عن العلم والشريعة، بعد أن علمه الكلام، فوجد (حي) في الشريعة ما اهتدى إليه بالفطرة، بعد نقاش فلسفي شامل وعميق، وهكذا حقق ابن طفيل هذه المصالحة التي كان ينشدها في الأصل بين الفلسفة والدين، وبين العقل والنقل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير