المشرقية التي نوه بها ابن طفيل في بداية رسالته الفلسفة، هي: القول بالتولد الذاتي، وجوهرية النفس، والقول بـ"ألوهية" الأجرام السماوية، والقول بالمجاهدة، والقول بالحياة بعد الموت، وهي عناصر تخترق النص الفلسفي وتشكل لحمته الأساسية.
الأستاذ إبراهيم بن عبدالله في مقاله " معالم من التجربة الفلسفية لابن الطفيل
انظر مجلة التاريخ العربي (1
13395)
2 - مؤلف هذه القصة الفلسفية هو ابن طفيل:
محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي. ولد بمدينة (وادي آش) قرب غرناطة. درس الفلسفة والطب في غرناطة. أعظم فلاسفة الأندلس ورياضيها وأطبائها. تولى منصب الوزارة ومنصب الطبيب الخاص للسلطان أبي يعقوب يوسف أمير الموحدين، وكانت له حظوة عظيمة عنده. وكان معاصرا لابن رشد وصديقا له. لم يصل إلينا من كتبه سوى قصة (حي بن يقظان) أو (أسرار الحكمة الإشراقية) وقد ترجم إلى عدة لغات أجنبية
وقد اتهم ابن الطفيل بالزندقة والإلحاد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنية كالملاحدة الإسماعيلية وأصحاب رسائل إخوان الصفاء والفارابي و ابن سينا والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وملاحدة الصوفية الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة ابن عربي و ابن سبعين و ابن الطفيل صاحب رسالة حي بن يقظان وخلق كثير غير هؤلاء.
درء التعارض (1
9) وانظر العقيدة الأصفهانية (173)
3 - نرى في القصة الضرب كثيرا على مسألة العقل الذي يدندن حولها كثيرا الفلاسفة , ولذلك لاقت قصة حى بن يقظان هذه رواجا عظيما بين المفكرين والعقلانيين , ولا يزال كثير من هؤلاء يعتبر هذه القصة الفيصل في قضية العقل ولا يزالون يؤمنون بأن العقل موهبة طبيعية تنمو من تلقاء نفسها سواء عاش الإنسان في مجتمع أم عاش منذ ولادته وحيدا منعزلا.
وهذا مخالف لكثير من الأبحاث العلمية الحديثة التي تكاد تجمع على خطأ هذا الرأي , حيث ثبت اليوم أن العقل البشرى صنيعة من صنائع المجتمع وهو لا ينمو أو ينضج إلا في زحمة الاتصال الاجتماعي.
4 - يعرض ابن الطفيل في قصته أن عقل هذا الإنسان استطاع أن يفكر ويستنتج حتى توصل بتفكيره المجرد إلى كثير من الحقائق الكونية التي توصل إليها الفلاسفة العظام من قبل وهذا العقل البشري ينمو من تلقاء ذاته ولا حاجة به إلى التعلم أو التلقين.
5 - هذه القصة الفلسفية سلك فيها مؤلفها مسلك من مسالك الباطنية وهو التعبير بالرمز عن الحقائق التي يخفونها
فهذا أبو حامد الغزالي يذكر في كتاب " ميزان العمل " أن الآراء ثلاثة أقسام:
أولا: رأي يشارك فيه الجمهور فيما هم عليه.
ثانيا:: ورأي يكون بحسب ما يخاطب به كل سائل و مسترشد.
ثالثا: رأي يكون بين الإنسان ونفسه لا يطلع عليه إلا من هو شريكه في اعتقاده.
والرمز عبارة عن التكلم بلغتين متقابلتين: أي من جهة الصورة العامة و التعابير، تكون المعاني الواضحة و المدركة من طرف الجميع هي المعاني التي تصادق عليها العامة، أما المعاني الضمنية و المرمزة فتحمل بين طياتها مقاصد المفكر و مراميه , و يمكن التعبير عن فاعلية هذه الطريقة بعملية " تحقين "، أو على أنه مدح في الظاهر قدح في الباطن.
وقد سلك ابن الطفيل في قصته تلك هذا المسلك فعبر في هذه القصة برموز وألفاظ باطنها السلامة والرحمة وباطنها العذاب والكفر.
يقول إبراهيم عبدالله: لقد اختار ابن طفيل لبطل قصته اسم "حي بن يقظان"، و"الحي هو الدارك وهو "المتحرك من ذاته بحركات محدودة نحو أغراض وأفعال محدودة تتولد عنها أفعال محدودة "واليقظان" هو المستعمل للحواس"، فجمع له بين الإدراك العقلي وبين الممارسة العلمية الخاضعة للتدبير.
وهكذا أدرك "حي" باشتغاله المضمي بحواسه، وبتفتحه الفكري الناتج عن فطرته الفائقة معرفة نظرية وعلمية كاملة، وتحرك بالفعل ذاتي واع، وبتدبير كبير - مشدوها بلغز هذا الوجود - لبلوغ الكمال الميتافيزيقي.
فـ "حي" إذن يرمز عند ابن طفيل لأدوات المعرفة في تحررها وتفتحها وتألقها وشوقها إلى المعرفة التي ترمي بالذات من خلال أفعال محدودة في أتون المطلق.
¥