تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى: ففعله يدل على الجواز.

وعدم محبته له لا يدل على المنع منه.

أما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل.

وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يُحتاج إليه، بل يُفعل خوفاً من حدوث الداء ([134]) والله أعلم.

وجمع ابن قتيبة وابن حجر وابن القيم – رحمهم الله – متجه، (وحديث السبعين ألف يخص الأولياء المعرضين عن الدنيا المستسلمين لقضاء الله عز وجل فلا يسألون غيرهم أن يكويهم تلذذاً بالبلاء) ([135]).

ثبت في الحديث أن النبي e رقاه جبريل عليه السلام وقد تقدم ([136]).

أيضاً ثبت أنه أمر بالاسترقاء: ففي المتفق عليه عن أم سلمة أن رسول الله e قال لجارية في بيتها رأى في وجهها سفعة – يعني صفرة – فقال: "بها نظرة ([137]) فاسترقوا لها" ([138]).

وعن عائشة قالت: أمرني رسول الله e أن أسترقي من العين ([139]).

وقد تمسك بحديث السبعين ألفاً من كره الرقى والكي من بين سائر الأدوية وزعم أنهما قادحان في التوكل دون غيرهما.

وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة:

أحدها: قاله الطبري والمازري وطائفة: أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها، كما كان أهل الجاهلية يعتقدون.

وقال غيرهم: الرقى التي يحمد تركها ما كان من كلام الجاهلية، ومن الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون كفراً، بخلاف الرقى بالذكر ونحوه.

وتعقبه عياض وغيره بأن الحديث يدل على أن للسبعين ألفاً مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن شاركهم في أصل الفضل والديانة ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقى الجاهلية ونحوها فليس مسلماً ([140]).

وهذا تعقب جيد: فالمقصود في الأحاديث الناهية عن الاسترقاء: الرقية المشروعة لا رقى الجاهلية، ولذا صار لمن لا يسترقون حتى الرقية المشروعة فضيلة دخول الجنة بغير حساب.

(ثانيها: ما قاله الداوودي وطائفة: أن المراد بالحديث: الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة؛ خشية وقوع الداء، وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا. وهذا اختيار ابن عبدالبر.

وهو معترض: بثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء.

ثالثها: يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث: من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء والاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه) ([141]).

وهذا أيضاً فيه نظر حيث إن ظاهره أنهم يعطلون الأسباب عدا الدعاء والاعتصام، وهذا خلاف الشرع وفعل الأنبياء والصالحين.

ثم إن الحديث خص هذه الأمور الثلاثة: الاكتواء والاسترقاء والتطير دون غيرها.

رابعها: أن المراد بترك الرقى والكي: الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره، لا القدح في الجواز؛ لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح. ولا يرد على هذا وقوع ذلك منه e فعلاً وأمراً؛ لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل، فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ([142]).

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به" ([143]).

هذا في الرقية، ومع ذلك فلا ينقص ذلك من توكله؛ لأنه كامل التوكل يقيناً فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئاً بخلاف غيره ولو كان كثير التوكل ([144]).

مسألة:

هل السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب أفضل من غيرهم مطلقاً؟

"قال القرطبي: الرقى بأسماء الله تعالى تقتضي التوكل عليه والالتجاء إليه والرغبة فيما عنده والتبرك بأسمائه، فلو كان ذلك قادحاً في التوكل لقدح الدعاء، إذ لا فرق بين الذكر والدعاء، وقد رقى النبي e ورقي وفعله السلف والخلف، فلو كان مانعاً من اللحاق بالسبعين أو قادحاً في التوكل لم يقع من هؤلاء، وفيهم من هو أعلم وأفضل مما عداهم.

وتُعقب: بأنه بنى كلامه على أن السبعين المذكورين أرفع رتبة من غيرهم مطلقاً وليس كذلك.

فقد أخرج الإمام أحمد وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان من حديث رفاعة الجهني عن النبي e: " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوؤوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة" ([145]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير