وقال الفضيل بن عياض: ( ... ومن زوَّج كريمته من مبتدع فقد قطع رحِمَها؛ ومن جلس مع صاحب بدعة لم يُعطَ الحكمة، وإذا علم الله من رجل أنه مُبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له).
أورد القرطبي في تفسيره: (من وقَّر صاحب بدعة؛ فقد أعان على هدم الإسلام).
ومن هنا يتبين أن البُعد النهائي للبدعة هو هدم الدين، وهذا البُعد يتطلب قدرًا من التفسير.
فعندما جاء في الحديث: (إنَّ مِن شِرارِ النَّاسِ مَن تُدرِكُه السَّاعةُ وَهُم أحياءٌ، وَمَن يَتَّخذُ الْقُبورَ مَساجدَ ... ) فإننا نفهم -وفقًا لمنهجية الحديث النبوي- العلاقة بين الصنفين المذكورين في الحديث .. وهي أن الذين تقوم عليهم الساعة هم آخر الشر ومنتهاه، وأن الذين يتخذون القبور مساجد هم أول الشر ومبتداه ..
ليتبين أن «بدعة اتخاذ القبور مساجد» هي التي ستنتهي إلى ما سيكون عليه حال الناس عند قيام الساعة .. من الرجوع إلى عبادة الأصنام والشياطين.
كما يتبين من الحديث أن البدعة يمتد أثرها إلى قيام الساعة.
ولما كان انقطاع المبتدع عن أمته أثرًا للبدعة فإن هذا الانقطاع يمتد -أيضًا- إلى قيام الساعة ..
حيث يُطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم .. وذلك من شؤم البدعة على صاحبها كما في الحديث: (إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّعَلَيَّشَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَلَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّعَلَيَّأَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّيُحَالُبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ... فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَلَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَبَعْدِي).
ومن الطرد عن الحوض إلى الحساب ...
عن ابن عمر في قوله تعالى: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)) [آل عمران:106]: (يعني تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة).
وكان ذلك الانقطاع الممتد من الدنيا إلى الآخرة أثرًا للانقطاع عن الله الذي تمثل في ..
«عدم قبول العمل» كما قال الفضيل بن عياض: (أحبط الله عمله ... ).
«عدم التوفيق إلى التوبة» وذلك باعتبار أنالبدعة تغيير للدين والحق .. وأن التوبة رجوع للدين والحق.
فكان أمر الله بحجب كل صاحب بدعة من التوبة جزاءً له على تغيير الحق، الذي يَرجع إليه كلُّ من أراد التوبة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته).
ومن الحساب إلى النار ..
وكمحصلة عادلة للانقطاع عن الله يكون دخول المبتدع النار مع بدعته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
ولعلنا نلاحظ بقاء المبتدعين على الذل والمهانة في الدنيا حتى دخولهم النار ..
«ابتداءً» من وصف رسول الله لهم في الدنيا بقوله: ( .. سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه).
وفيه تشبيه لما تحدثه البدعة بصاحبها .. بما يحدثه الكَلَب بصاحبه.
والكلَب كما يقول الزمخشري: (داء يصيب الإنسان إذا عقره الكلب الكَلِب).
حتى دخولهم النار يكون على تلك الصفة ..
عَنْ ابْنِ أَبِي أَوفَى قال: قال رسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلَم: (الخَوارِجُ كِلابُ النَّارِ).
ولكل ما سبق كانت البدعة أخطر أعمال الشيطان؛ إذ ينحصر ما يدعو الشيطان إليه فى ست مراتب:
- مرتبة الكفر والشرك ومعاداة الرسول.
- ثم مرتبة البدعة، وهى أحب إليه من الفسوق والمعاصي؛ لأن المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها؛ لأن صاحبها يظنها حقيقة صحيحة؛ فلا يتوب.
- ثم الكبائر على اختلاف أنواعها.
- ثم الصغائر.
- ثم الاشتغال بالمباحات.
ولذلك يقول ابن عباس: (والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحب إلى الشيطان هلاكًا مني! فقيل: وكيف؟! فقال: إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب فيحملها الرجل إليَّ، فإذا انتهت إليَّ قمعتها بالسنة، فتُرد عليه كما أخرجها).
والملاحظ في قول ابن عباس هو إحساسه بالمعركة الشخصية مع الشيطان من أجل إخماد البدعة .. وهو إحساس ضروري في مواجهتها؛ حيث يشعر كل مسلم أنه بنفسه في معركة مع الشيطان .. من أجل القضاء على البدعة.
وهذا الإحساس الشخصي بمعركة البدعة يكون بحساسية شديدة تتناسب مع خطرها ..
¥