إن كان الهواء موجود و قائم بنفسه و يرى لكن لا تدركه أبصارنا يا أخ نضال، إذن فليس " كل موجود يرى " دليل على رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، إذ يقال أيضا " الله يرى و لا تدركه أبصارنا"، و لو أن الرؤية تثبت بما عايناه من قوانين مثل قولهم " كل موجود يرى" للزم من ذلك أن يقال " الله يرى فى الدنيا و فى الآخرة" إذا سُلِّم بوجوده تعالى، و إلا فيقال " الله غير موجود " إذا سُلِّم بعدم رؤيته فى الدنيا.
أرجو التوضيح مع العلم أن ليس لى فى المنطق أو مصطلحاته ناقة و لا جمل.
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[20 - 12 - 07, 10:18 م]ـ
نعم أخي أبو العباس البحريني. . . كنت قصرت في التوضيح ولم أفصح بالتفصيل، وذلك من خيانة الذاكرة، والله المستعان.
الموجود في الخارج إما ذات قائم بنفسه لها أوصاف، وإما صفة قائمة بذاتها.
فالأول هو الذي نقول له إنه يمكن أن يرى. وهذا حكم مطرد لا ينتقض بحال.
وما كان بالوجود والقيومية أحق، كان بإمكان رؤيته أحق - بشرط صحة بصر الرائي وقوته، مع عدم المانع والحجاب.
وأما إطلاق القول أن كل موجود يمكن أن يرى ففي هذا الإطلاق إجمال واشتباه؛
فإن أريد به ما كان قائما بنفسه من الذوات، فالمعنى صحيح. ون أريد به التعميم فلا.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله في (المنهاج):
ونحن لا ندعى هنا أن كل موجود يرى كما ادعى ذلك من ادعاه فقامت عليه الشناعات فإن ابن كلاب ومن اتبعه من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم قالوا كل قائم بنفسه يرى وهكذا قالت الكرامية وغيرهم فيما أظن وهذه الطريقة التي سلكها ابن الزاغوني من أصحاب أحمد.
وأما الأشعري فادعى أن كل موجود يجوز أن يرى ووافقه على ذلك طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة كالقاضي أبي يعلى وغيره ثم طرد قياسه فقال كل موجود يجوز أن تتعلق به الإدراكات الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس ووافقه على ذلك طائفة من أصحابه كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي والرازي وكذلك القاضي أبو يعلى وغيرهم وخالفهم غيرهم فقالوا لا نثبت في ذلك الشم والذوق واللمس ونفوا جواز تعلق هذه بالبارئ والأولون جوزوا تعلق الخمس بالبارئ وآخرون من أهل الحديث وغيرهم أثبتوا ما جاء به السمع من اللمس دون الشم والذوق وكذلك المعتزلة منهم من أثبت جنس الإدراك كالبصريين ومنهم من نفاه كالبغداديين والمقصود هنا بأن المثبتة ولو أخطأوا في بعض كلامهم فهم أقرب إلى الحق نقلا وعقلا من نفاة الرؤية.
فنقول من الأشياء ما يرى ومنها ما لا يرى والفارق بينهما لا يجوز أن يكون أمورا عدمية لأن الرؤية أمر وجودي والمرئى لا يكون إلا موجودا فليست عدمية لا تتعلق بالمعدوم ولا يكون الشرط فيه إلا أمرا وجوديا لا يكون عدميا وكل ما لا يشترط فيه إلا الوجود دون العدم كان بالوجود الأكمل أولى منه بالأنقص فكل ما كان وجوده أكمل كان أحق بأن يرى وكل ما لم يمكن أن يرى فهو أضعف وجودا مما يمكن أن يرى فالأجسام الغليظة أحق بالرؤية من الهواء والضياء أحق بالرؤية من الظلام لأن النور أولى بالوجود والظلمة أولى بالعدم والموجود الواجب الوجود أكمل الموجودات وجودا وأبعد الأشياء عن العدم فهو أحق بأن يرى وإنما لم نره لعجز أبصارنا عن رؤيته لا لأجل امتناع رؤيته كما أن شعاع الشمس أحق بأن يرى من جميع الأشياء.
ولهذا مثل النبي صلى الله عليه و سلم رؤية الله به فقال ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر شبه الرؤية بالرؤية وإن لم يكن المرئى مثل المرئى ومع هذا فإذا حدق البصر في الشعاع ضعف عن رؤيته لا لامتناع في ذات المرئى بل لعجز الرائى فإذا كان في الدار الآخرة أكمل الله تعالى الآدميين وقواهم حتى أطاقوا رؤيته ولهذا لما تجلى الله عز و جل للجبل خر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين سورة الأعراف 143 قيل أول المؤمنين بأنه لا يراك حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده فهذا للعجز الموجود في المخلوق لا لامتناع في ذات المرئى بل كان المانع من ذاته لم يكن إلا لنقص وجوده حتى ينتهى الأمر إلى المعدوم الذي لا يتصور أن يرى خارج الرائي. ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملك في صورته إلا من أيده الله كما أيد نبينا صلى الله عليه و سلم قال تعالى وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون سورة الأنعام 8 9 قال غير واحد من السلف هم لا يطيقون أن يروا الملك في صورته فلو أنزلنا إليهم ملكا لجعلناه في صورة بشر وحينئذ كان يشتبه عليهم هل هو ملك أو بشر فما كانوا ينتفعون بإرسال الملك إليهم فأرسلنا إليهم بشرا من جنسهم يمكنهم رؤيته والتلقي عنه وكان هذا من تمام الإحسان إلى الخلق والرحمة ولهذا قال تعالى وما صاحبكم بمجنون.
ولا مماسة ولا يتميز منه جانب عن جانب كان هذا مكابرة. فيقال لكم: أنتم يانفاة الرؤية تقولون ومن وافقكم من المثبتين للرؤية إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباين له ولا محايث له. فإذا قيل لكم هذا خلاف المعلوم بضرورة العقل فإن العقل لا يثبت شيئين موجودين إلا أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو داخلا فيه كما يثبت الأعيان المتباينة والأعراض القائمة بها وأما إثبات موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ولا يكون داخل العالم ولا خارجه فهذا مما يعلم العقل استحالته وبطلانه بالضرورة
فنسأل الله تعالى لذة النظر لى وجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين.
¥