بسم الله الرحمن الرحيم
قرأتُ كتاب الحيدة المنسوب لعبدالعزيز الكناني _ رحمه الله_ قديماً فوجدت فيه بعض المشكلات التي ينبغي التنبيه عليها، ووقعت قبل أسبوع مناسبة جعلتني أتذكر الامر فأحببت أن أكتبها هنا رجاء الفائدة ورجاء تعديلكم.
فمنها:
1 - خُطَّ في كتاب الحيدة:_ ثم أقبل عليَّ المأمون وقال يا عبدالعزيز: إن الله عالم؟ قلتُ نعم يا أمير المؤمنين. قال فتقول: إن لله علما؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: فتقول: إن الله سميع بصير؟ قلتُ: نعم يا أمير المؤمنين. قال فتقول: أن لله سمعا وبصرا؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين.
قال: فافرق بين ذلك؟
قال عبدالعزيز: فقلت يا أمير المؤمنين وقد قدمت إليك فيما احتججتُ به أن على الناس جميعا أن يثبتوا ما أثبت الله وينفوا ما نفى الله ويمسكوا عما أمسك الله عنه. فأخبرنا الله عز وجل أن له علما فقلت أن له علما كما أخبر. وأخبر أنه عالم بقوله: " عالم الغيب والشهادة " فقلت إنه عالم كما أخبر. وأخبرنا أنه سميع بصير فقلت أنه سميع بصير كما أخبر في كتابه. ولم يخبر أن له سمعا ولا بصرا فأمسكت عنه إمساكه ولم أقل إن له سمعا ولا بصرا. اهـ.ص "46"
والملاحظة واضحة وهي نفيه أن لله سمعا وبصرا , وهو على خلاف مذهب أهل السنة والجماعة وعلى خلاف اللسان العربي , فمن كان سميعا فقطعا له سمع , ومن كان بصيرا فقطعا له بصر.
قال السفاريني رحمه الله:
له الكلام والحياة والبصر سمع إرادة وعلم واقتدر
2 - أنه رد على بشر المريسي قوله أن جعل في قوله تعالى: " إنا جعلناه قرآنا عربيا" بمعنى خلق. وهذا صوابٌ منه وقد أحسن الرد.
ولكن كان في كلامه أن قال: فهو كما قلتُ: إن الله جعله قرآنا عربيا أي صيره قرآنا عربيا وأنزله بلغة العرب ولسانها ولم يصيره أعجميا فبين له بلغة العجم. اهـ ص "70".
والملاحظة هي أن" جعل" هنا إذا كانت بمعنى" صير" فستكون مشكلة فإن التصيير يقتضي أن القرآن كانت له حالة قبل ذلك ثم صار إلى العربية.
كما تقول: صيرت البر خبزاَ. فتكون بذلك حكمت بأن الخبز كانت له حالة أخرى قبل أن يكون خبزاً.
والصواب: أن جعل هنا بمعنى سمَّى أو وصف أو بيَّن أو نزَّل.
وقد فسرها القرطبي بسمَّى أو وصف وغيرُه.
كما فسرها السدي بـ " أنزلناه".
وفسرها الزجاج والثوري وابن منظور بـ " بيناه"
وهذه المعاني كلها مناسبة , وإن كنت أظن أن الكناني رحمه الله جعل "صير" بهذه المعاني تجوزاً.
أسال الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه , ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
وأرجو من الاخوة النقدَ.
ــــــــــــــــــــ
((ومن نظر بنظر الانصاف , وغاص في بحار الفقه والاصول متجنبا الاعتساف , يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية والاصلية التي اختلف العلماء فيها , فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم , وأني كلما أسير في شعب الاختلاف , أجد قول المحدثين فيه قريبا من الانصاف , فلله درهم , وعليه شكرهم , كيف لا؟!! وهم ورثة النبي "ص" حقا , ونواب شرعه صدقا, حشرنا الله في زمرتهم , وأماتنا على حبهم وسيرتهم)) - أبو الحسنات اللكنوي-
عموما تجد بعض التعاليق من شيخ الإسلام على بعض المواضيع من كلام عبد العزيز رحمهما الله في الدرء، وفيه أشياء لطيفة.
أما منعه من قول "إن لله سمعا وبصرا" فلا نفهم منه النفي أبدا. بل هو الوقوف عند حدود النص، فإنه لا يصف الله تعالى أحد بأحسن مما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله. وأما قوله (صيرنا)، فلعله قصد تصيير المعاني كلاما مسموعا. فالمعاني قبل أن يظهر لا توصف بالعربية ولا العجمية. أو أنه أراد به "الإرادة"، أي نريده عربيا. والله أعلم بالصواب.
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[23 - 12 - 07, 01:20 ص]ـ
وعلى فكرة، هل الكتاب ثابت النسبة لمؤلفه؟
وأين كانت تلك المناظرة؟ ببغداد أم بثغر طرشوش؟
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[23 - 12 - 07, 12:25 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
أما الإشكال الأول فقد أجاب عنه الإخوة
وأما الإشكال الثاني فلا اشتباه فيه
فالقرآن كلام الله تعالى , وكذا التوراة والإنجيل.
فوجه أن الله -صيره عربيا-
أنه سبحانه هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِالتَّوْرَاةِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَبِالْإِنْجِيلِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَبِالْقُرْآنِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.
ولذلك قال الدارمي:إنما الكلام لله بدءا وأخيرا وهو يعلم الألسنة كلها ويتكلم بما شاء منها إن شاء تكلم بالعربية وإن شاء بالعبرانية وإن شاء بالسريانية فقال جعلت هذا القرآن من كلامي عربيا وجعلت التوراه والإنجيل من كلامي عبرانيا لما أنه أرسل كل رسول بلسان قومه كما قال فجعل كلامه الذي لم يزل له كلاما لكل قوم بلغاتهم في ألسنتهم
فقوله جعلناه صرفناه من لغة إلى لغة أخرى.
نقض الدارمي (1
567)
والله أعلم
¥