ففي الحديث امتثال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمر ربه في قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]، فإنه قام بهذا الأمر أتم القيام، فدعا وعم وخصص، وبيَّن أنه لا ينجي أحداً من عذاب الله بأي وسيلة، بل الذي ينجي هو الإيمان به واتباع ما جاء به.
وإذا كان القرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغني عن القريب شيئاً، دل ذلك على منع التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن جاه النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينتفع به إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا كان أصح قولي أهل العلم تحريم التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -].
الفائدة الرابعة عشرة والخامسة عشر والسادسة عشر:1 - يستثنى من قنوت النوازل الطاعون لأنه شهادة.
2 - القنوت في النوازل إنما في النوازل التي تكون من غير الله.
3 - القنوت لكل مصل، وقيل الإمام الأعظم، وقيل إمام كل مسجد.
في باب: قول الله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً}
قال – رحمه الله تعالى -:
[الثامنة: القنوت في النوازل، وهذه هي المسألة الفقهية، فإذا نزل بالمسلمين نازلة، فإنه ينبغي أن يدعى لهم حتى تنكشف.
وهذا القنوت مشروع في كل الصلوات، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه أحمد وغيره، إلا أن الفقهاء رحمهم الله استثنوا الطاعون، وقالوا: لا يقنت له لعدم ورود ذلك، وقد وقع في عهد عمر رضي الله عنه ولم يقنت، ولأنه شهادة، فلا ينبغي الدعاء برفع سبب الشهادة.
وظاهر السنة أن القنوت إنما يشرع في النوازل التي تكون من غير الله، مثل: إيذاء المسلمين والتضييق عليهم، أما ما كان من فعل الله، فإنه يشرع له ما جاءت به السنة، مثل الكسوف، فيشرع له صلاة الكسوف، والزلازل شرع لها صلاة الكسوف كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: هذه صلاة الآيات، والجدب يشرع له الاستسقاء، وهكذا.
وما علمت لساعتي هذه أن القنوت شرع لأمر نزل من الله، بل يدعى له بالأدعية الواردة الخاصة، لكن إذا ضيق على المسلمين وأوذوا وما أشبه ذلك، فإنه يقنت اتباعاً للسنة في هذا الأمر.
ثم من الذي يقنت، الإمام الأعظم، أو إمام كل مسجد، أو كل مصل؟
المذهب: أن الذي يقنت هو الإمام الأعظم فقط الذي هو الرئيس الأعلى للدولة.
وقيل: يقنت كل إمام مسجد.
وقيل: يقنت كل مصل، وهو الصحيح، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وهذا يتناول قنوته - صلى الله عليه وسلم - عند النوازل].
الفائدة السابعة عشرة: مسألة الدعاء على جميع الكفار بالهلاك.
في باب: قول الله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً}
قال – رحمه الله تعالى -:
[أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش بالهلاك، بل قال: "اللهم! عليك بهم، اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"، وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه.
فالمهم أن الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي تردد فيه.
وقد يستدل بدعاء خبيب حيث قال: "اللهم أحصهم عدداً، ولا تبق منهم أحداً" على جواز ذلك، لأنه وقع في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ولأن الأمر وقع كما دعا، فإنه ما بقي منهم أحد على رأس الحول، ولم ينكر الله تعالى ذلك، ولا أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل إن إجابة الله دعاءه يدل على رضاه به وإقراره عليه.
فهذا قد يستدل به على جواز الدعاء على الكفار بالهلاك، لكن يحتاج أن ينظر في القصة، فقد يكون لها أسباب خاصة لا تتأتى في كل شيء.
ثم إن خبيباً دعا بالهلاك لفئة محصورة من الكفار لا لجميع الكفار.
وفيه أيضاً إن صح الحديث: دعاؤه على عتبة بن أبي لهب: "اللهم! سلط عليه كلباً من كلابك"، فيه دليل على الدعاء بالهلاك، لكن هذا على شخص معين لا على جميع الكفار].
الفائدة الثامنة عشرة: الفزع هو الخوف المفاجئ.
في باب قول الله تعالى:
{حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 23]
قال – رحمه الله تعالى -:
[والفزع: الخوف المفاجئ، لأن الخوف المستمر لا يسمى فزعاً.
وأصله: النهوض من الخوف].
¥