فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل حراماً، فيجوز أن يعبد للمطلب إلا إذا وجد ناسخ، وهذا تقرير ابن حزم رحمة الله، ولكن الصواب تحريم التعبيد للمطلب، فلا يجوز لأحد أن يسمي ابنه عبد المطلب، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أنا ابن عبد المطلب "، فهو من باب الإخبار وليس من باب الإنشاء، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن له جداً اسمه عبد المطلب، ولم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سمى عبد المطلب، أو أنه أذن لأحد صحابته بذلك، ولا أنه أقر أحداً على تسميته عبد المطلب، والكلام في الحكم لا في الإخبار، وفرق بين الإخبار وبين الإنشاء والإقرار، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد "، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " يا بني عبد مناف " ولا يجوز التسمي بعبد مناف.
وقد قال العلماء: إن حاكي الكفر ليس بكافر، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم عن شيء قد وقع وانتهى ومضى، فالصواب أنه لا يجوز أن يعبد لغير الله مطلقاً لا بعبد المطلب ولا غيره، وعليه، فيكون التعبد لغير الله من الشرك] اهـ.
الفائدة السادسة والخمسون بعد المائة: بطلان قصة شرك آدم وحواء.
في باب: قول الله تعالى: {فلما أتاهما صالحاً جعلاً له شركاء فيما آتاهما} [الأعراف: 190].
قال – رحمه الله تعالى – في قصة تسمية (آدم وحواء) -عليهما السلام – لابنهما (عبد الحارث) طاعة لإبليس!:
[وهذه القصة باطلة من وجوه:
الوجه الأول: أنه ليس في ذلك خبر صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من الأخبار التي لا تتلقي إلا بالوحي، وقد قال ابن حزم عن هذه القصة: إنها رواية خرافة مكذوبة موضوعة.
الوجه الثاني: أنه لو كانت هذه القصة في آدم وحواء، لكان حالهما إما أن يتوبا من الشرك أو يموتا عليه، فإن قلنا: ماتا عليه، كان ذلك أعظم من قول بعض الزنادقة:
إذا ما ذكرنا آدما وفعاله ... ... وتزويجه بنتيه بابنيه بالخنا
علمنا بأن الخلق من نسل فاجر ... وأن جميع الناس من عنصر الزنا
فمن جوز موت أحد من الأنبياء على الشرك فقد أعظم الفرية، وإن كان تابا من الشرك، فلا يليق بحكمة الله وعدله ورحمته أن يذكر خطأهما ولا يذكر توبتهما منه، فيمتنع غاية الامتناع أن يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا، ولم يذكر توبتهما، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها كما في قصة آدم نفسه حين أكل من الشجرة وزوجه وتابا من ذلك.
الوجه الثالث: أننا لو قلنا بذلك، لجوزنا الشرك على الأنبياء، والأنبياء معصومون من الشرك باتفاق أهل العلم.
الوجه الرابع: أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة، فيعتذر بأكله من الشجرة. وهو معصية أهون من الشرك، ولو وقع منه الشرك، لكان اعتذاره به أقوى وأولى وأحرى.
الوجه الخامس: في هذه القصة التي ذكرت عن ابن عباس أن الشيطان جاء إليهما وقال: " أنا صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة "، وهذا لا يقوله من يريد الإغواء، وإنما يأتي بشيء يقرب قبول قوله، فإذا قال: " أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة "، فسيعلمان علم اليقين أنه عدو لهما، فلا يقبلان منه صرفاً ولا عدلا.
الوجه السادس: أن في قوله في هذه القصة: " لأجعلن له قرني أيل ": إما أن يصدقا أن ذلك ممكن في حقه، فهذا شرك في الربوبية لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله، أولا يصدقا، فلا يمكن أن يقبلا قوله وهما يعلمان أن ذلك غير ممكن في حقه.
الوجه السابع: قوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} بضمير الجمع، ولو كان آدم وحواء، لقال: عما يُشركان.فدل هذا على أنه لا يراد بهما آدم وحواء.
فهذه الوجوه تدل على أن هذه القصة باطلة من أساسها، وأنه لا يجوز أن يعتقد في آدم وحواء أن يقع منهما شرك بأي حال من الأحوال، والأنبياء منزهون عن الشرك مبرؤون منه باتفاق أهل العلم، وعلى هذا، فيكون تفسير الآية كما أسلفنا أنها عائدة إلى بني أدم الذين أشركوا شركاً حقيقياً، فإن منهم مشركاً ومنهم موحداً] اهـ.
يتبع ......
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[19 - 08 - 08, 03:11 م]ـ
الفائدة السابعة والخمسون بعد المائة: معنى جعلِ الشريك في الولد في قوله تعالى ((جعلا له شركاء فيما آتاهما)).
¥