ـ[أبو حزم فيصل الجزائري]ــــــــ[11 - 01 - 08, 11:58 م]ـ
ومعروف في الذباب وفي كل طائر أنه إذا هبط من أعلى إلي أسفل أنه يهبط بميل حتى الطائرات لا تنزل الطائرة رأسية، لا بد أن تنزل مائلة إلا أن كانت طائرات خاصة إنما الطائرات العادية المعروفة تنزل هكذا، ثم إذا أرادت أن تنزل للجنب الثاني لابد ان تميل هكذا، هذا النظام الدولى. والطيور إذا نزلت بجناح كذا، وإذا أرادت أن تصف وتقف شفي الجو تنصب الجناحين إلي الجانبين كذا.
فالقصد ان الذباب كسائر الطيور إذا نزل بالجناح، فإذا غمسته كان جناحه الثاني وما فيه من شفاء علاجاً لما أصاب الشراب أو الطعام من الداء الذي نزل في الطعام من الجناح الآخر. فهذا التعليل دليل على أن تعليله بهذا ليس تخميناً من عند نفسه ودخولا فيما لا يخصه، إنما هو بوحى من الله جل شأنه، والله عليم بمخلوقاته وما فيها من خواص، فالرسول r إليه البلاغ عن الله، وقد بلغ هذا عن ربه.
ويجب على الإنسان أني يثق بوحى الله جل شأنه أعظم من ثقته بنظريات الأطباء، ثم هم لم يتفقوا، الأطباء لم يتفقوا على ما بنى عليه هؤلاء المعترضون على هذا الحديث، هم مختلفون أيضاً فيما بينهم والمسألة مسالة نظرية اجتهادية للأطباء، فكيف يرد بمسألة نظرية اجتهادية ما زالت تحت البحث، يرد بها حديث رسول الله r .
وأما من جهة الثانية: جهة السند، فالسند على طريقة المحدثين سند صحيح متوف للشروط التى اشترطها علماء الحديث، والناس الذين اعترضوا على هذا الحديث من جهة رجاله ليس عندهم سند يستندون إليه في ذلك، وهم في معاملتهم وقبولهم للأخبار التى تصل إليهم يعتقدون يقيناً أو يظنون ظناً غالباً بما وصلهم من الأخبار، يعتقدون ما دلت عليه فيلزمهم أن يقبلوا ما جاء عن رواة هذا الحديث لأنهم أوثق وأضبط وأعدل من الرواة الذين يروون لهم أخباراً في سفر فلان وفى إدانة فلان، وفي شهادة الشهود في قضية يقبلون ذلك من اقل من هؤلاء الذين رووا عن رسول الله r هذا الحديث.
قلت: إن طعنهم غما ان يكون في الرسول r من جهة أن هذا ليس من اختصاصه، وانه أخبر بشيء يخطئ فيه ويصيب، وبينت الجواب عنه بأن تعليله يشعر بأنه إنما جاء به من عند الله جل شأنه.
الناحية الثانية: الطعن من جهة الرواة، والرواة قلت: إنهم أوثق وأعدل واضبط من أولئك الذين يقبلون أخبارهم العادية ويقبلون في البيع والشراء، والسفر والحضر، وفي الشهادات في القضايا. يقبلون أخباراً أقل من خبر هؤلاء الذين رووا هذا الحديث.
ثم الذين يردون بعض الأحاديث قد يردونها لأنها لا تتفق مع أفكارهم ومداركهم يسلكون فى ردها أحد ثلاثة مسالك:
الأولُ: فإما أن يردوها ويكذبوها ويقولون: خالفت صريح العقل إن لم يمكنهم أن يؤولوها.
الثانى: وإما أن يتأولوها على خلاف ما دلت عليه مع كثرتها.
الثالث:: وإما أن يردوها لأنها أخبار آحاد.
وهذا أيضاً وضع غير سليم واعتراض غير سليم، فإن عقلهم يعتريه الخطأ والصواب، والوحى الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام وثبت عنهم جاء عن الصادق الأمين بوحى من ربه وهو لا ينطق ن الهوى
الرد على أهل المسلك الأول
القائلين برد السنة لمخالفتها العقل
فيجب على الإنسان أن يتهم عقله وتفكيره بدلاً من أن يتهم رسوله أو الرواة العدول أو أن يتهم ربه في وحيه، وليثق بربه وبرسوله r أكثر من ثقته بتفكيره، فإن العقل قاصر وجرب عليه الخطأ كثيراً ومداه محدود وما يجهله أكثر مما يعلمه، فعليه أن يعتقد في تفكيره القصور، وأن يعتقد في وحى الله الكمال والصدق، وأن يعتقد في الرواة الذين استوفوا شروط النقل المضبوط المعروفة عند المحدثين، عليه أن يثق بهؤلاء أكثر من ثقته بتفكيره.
هذا جواب عمن ينكر الحديث لمعارضته لتفكيره، فيقال اتهم عقلك بالقصور فإن ما يعلمه اقل مما يجهلة، أتهم عقلك بالخطأ وبالجهل في تفكيره، لأنك كثيراً ما أخطأت وجرب عليك هذا، أما هؤلاء العدول الضباط الذين استوفوا النقل، نقل الأحاديث فهؤلاء يندر فيهم أن يخطئ أحدهم، خطوة إلي جانب صوابه قليل جداً ونادر.
الرد على أهل المسلك الثانى
القائلين برد السنة بتأويلها على ظاهرها
ويمكن لهؤلاء أن يحملوا ذلك النوع من الأحاديث و على غير ظاهره وهم يسلكون هذا المسلك في كتاب الله جل شانه أيضا فيتأولون كثيراً من
¥