قد يكون الكأس الزجاجي مملوءاً بالماء إلى منتصفه، ومع أن هذا المشهد واحد إلا أن محاولات وصفه قد تختلف باختلاف زاوية الرؤية. فقد يقول أحدهم عن الكأس: إن نصفه مملوء، وقد يقول آخر: إن نصفه فارغ. وهذا التعارض الظاهري بين الوصفين إنما نبع بسبب كون الشخص الأول نظر إلى الجزء الممتلئ فحكم بأن نصف الكأس مملوء، في حين نظر الآخر إلى الجزء الفارغ فحكم بأن نصف الكأس فارغ، وعلى هذا فالاختلاف الظاهري بين القولين هو خِلافٌ في زاوية الرؤية، الرؤية إلى أحد جزأي الكأس.
ومثل هذا الاختلاف في الرؤية هو الذي دفع ببعض العلماء إلى إثبات المجاز، وببعضهم الآخر إلى إنكاره، أي بعبارةٍ واضحةٍ: يمكن الخلوص إلى أن القول بوجود المجاز، والقول بإنكاره هما فكرتان غير متضادتين، أو على الأقل يمكن أن تتعايشا جنباً إلى جنب وأن لا تتنافرا؛ لأن الفرق بين المنكرين والمجيزين هو فرق في رؤيتهم إلى دلالة اللفظ، فالحكم بأصالة دلالة اللفظ في موضع، وفرعيتها في موضعٍ آخر هو الأساس الذي قام عليه تصور القائلين بالمجاز، أما جعل جميع دلالات اللفظ ومعانيه على درجة المساواة، فكلها أصلية وأن السياق هو الذي يعين أي المعاني أريد باللفظ، هذه هي الرؤية التي حكمت أصول القائلين بإنكار المجاز.
وهذه النتيجة توجب أن يحترم أنصار كلِّ رأيٍ رأيَ الفريق الآخر، فلا ينبغي التشنيع على القائلين بالمجاز، أو وصف رأيهم بالفساد والاضطراب، ولا ينبغي أن يكون القول بإنكار المجاز موضع استهجان أو تندر أو سخرية من بعض القائلين بوقوع المجاز، إذ الرأيان ليسا متعارضين، بل لكل منهما مسوغاته وحيثياته.
والرأيان -على أية حال- ليسا على درجةٍ واحدةٍ من الشهرة والقبول، فالقول بوقوع المجاز أشهر من القول بإنكاره.
بل ولعله أكثر اتساقاً وانضباطاً مع ما يقتضيه العُرف اللغوي، وما تمليه طبيعة الاستخدام الإنساني للغة، إذ يتصور الإنسان ارتباط بعض الألفاظ بمدلولات ملازمة، فإذا خرج اللفظ إلى مدلول آخر غير مدلوله الملازم له في العرف اللغوي –لعلاقة بين المدلولين- فقد وقع المجاز، ولهذا فلم يظهر تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز في التراث العربي فحسب، بل هو ظاهرة تطّرد في جميع اللغات تقريباً، فقد قال به أرسطو في الزمن الأول ولا زال كثيرٌ من الباحثين المعاصرين –عرباً وأجانب- يقررون وقوعه.
وفي الأخير، أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله في موازين حسنات كاتبه، كما أسأله تعالى حسن الختام، إنه بالإجابة جدير.
وصلى الله على محمد.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[08 - 07 - 09, 04:31 ص]ـ
فلم يظهر تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز في التراث العربي .. فحسب
لو قال التراث المعتزلي لاتسق كلامه!
ـ[أبو إسحاق السندي]ــــــــ[08 - 07 - 09, 12:22 م]ـ
لو قال التراث المعتزلي لاتسق كلامه!
ما أدري، هل كان أبو محمد ابن قتيبة من هؤلاء المعتزلة؟؟!!
قال رحمه الله في تأويل مشكل القرآن ص80 - 81:
" وللعرب (المجازات في الكلام)، ومعناها: طرق القول ومآخذه. ففيها: الاستعارة، والتمثيل، والقلب، والتقديم، والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والكناية، والإيضاح، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، والجميع خطاب الواحد، والواحد والجميع خطاب الاثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص، مع أشياء كثيرة ستراها في أبواب المجاز إن شاء الله تعالى.
وبكل هذه المذاهب نزل القرآن ... " اهـ
ثم فصّل ذلك في "باب القول في المجاز" ص 146 - 171، "وباب الاستعارة" ص172 - 211، "باب المقلوب" ... إلى آخر تلك الأبواب.
ومن باب الفائدة: ذكر شيخ الإسلام أن ابن قتيبة خطيب السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة. وكان أهل المغرب يعظمونه، ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة، فإنه يتهم بالزندقة! (مجموع الفتاوى 17/ 391 - 392)
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[08 - 07 - 09, 01:05 م]ـ
ما أدري، هل كان أبو محمد ابن قتيبة من هؤلاء المعتزلة؟؟!!
بل كان رحمه الله متأكلاً على مائدة الجاحظ في مادته الأدبية متقيلاً طريقته .. فدخل عليه من مادة الجاحظ ما أفسد عليه نقاء سنيته. التي أورثها إياه شيخه الآخر إسحاق بن راهويه
فابن قتيبة تلميذ الجاحظ وغير قليل من كتب ابن قتيبة ألفه على الطريقة التي افترعها الجاحظ، وقد أجازه الجاحظ بجميع كتبه. وعن الجاحظ تلقى ابن قتيبة بدعة المجاز وإن ظنها باباً من أبواب الدلالة خالصاً ..
ولئن قلنا بدخول مصطلح المجاز على بعض أهل السنة الخلص مبتوتي الصلة بالمعتزلة = فأي عجب أن تدخل تلك الفكرة على تلميذ الجاحظ ووارث علمه وطريقته ..
تنبيه: كون ابن قتيبة خطيب أهل السنة نقلها شيخ الإسلام عن رجل مجهول وفي كلام هذا الرجل المجهول ما يدل على قلة علمه ..
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[08 - 07 - 09, 04:45 م]ـ
تنبيه: كون ابن قتيبة خطيب أهل السنة نقلها شيخ الإسلام عن رجل مجهول وفي كلام هذا الرجل المجهول ما يدل على قلة علمه ..
لكن شيخ الإسلام نقلها مقرًا لها.
¥