[بين السنة والشيعة]
ـ[محمد بن صابر عمران]ــــــــ[14 - 01 - 08, 11:10 م]ـ
[بين السنة والشيعة]
بهدوء واختصار .. ماذا يريد السنة من الشيعة وماذا يريد الشيعة من السنة .. لو قلنا أن الشيعة يريدون من السنة أن يتشيعوا لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, وأن يحبوهم ويوالوهم، ويقدموهم على من سواهم فلن تكون الدعوة حينئذ غبَّاءَ .. ولكن
أن يُحرَّض عوام الناس على معاداة الصحابة والبراءة منهم وبالتالي من تراثهم وكل ما جاءوا به من قرآن وسنة .. وعندئذ لابد لنا من تساؤل عن البديل!
لو لم يكن تراث الشيعة إلا مزيجًا من الموضوعات والروايات الضعيفة التي لا تثبت - وحتى علماء الشيعة أنفسهم يشهدون ويسلِّمون بهذا - لكان الأمر موضع نقاش؛ إذ لو كان الحال كذلك لقلنا أن القوم يردون تراثا ضخمًا بدعوى أنه لا يصح, ويقدمون الذي يصح بديلاً عنه .. وحينئذ يمكن لدعوتهم أن تبدو منصفةً أو مبرَّرة ولو ظاهرًا .. وإلا – والحال كذلك - فسوف يكون الأمر ضربًا من الخيال, ولا يمكن لعاقل وصفه سوى بأنه هدم للدين واجتثاث له من جذوره .. ولنتنبه جميعا لحقيقة تلك "الدعوات" ومآلها .. فإن السفينة لا تمشي على اليبس!
وأما إذا لم يك هذا في مكنونات صدور القوم - أعني الشيعة - فما الذي يجعلهم مصرين إذا على شق الصف وتبني تلك الآراء التي لا تعدو كونها مواقف تاريخية موروثة أتى عليها تقلب الدهور والأزمان ..
فنحن الآن - وكذا المسلمون مذ ألف سنة - لا نعيش في عصر الفتنة التي وقعت بين عليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما, ولا نحيا في كنف بني أمية ولا الحسين .. نحن الآن في عصر مختلف, له مجريات لا تداني أو تشبه زمانهم بأي حال, لا في صورته ولا في طبيعة أحداثه ..
وفي المقابل عندما ننظر إلى سبيل أهل السنة ومناهجهم في التمييز بين الصحيح والمكذوب من المرويات وتنقيحهم لتراثهم الذي ورثوه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليهم رضوان الله .. نرى أنهم قدموا إلى الأمة أولاً معجزة خالدة لا يمر عليها الزمن إلا ازدادت تألقًا وسموًّا, ألا وهي "القرآن الكريم", معجزة لا تزال تبهر العلماء في الشرق والغرب بما احتوته من دقيق التفاصيل البالغة في الإعجاز لتدلل على صدق محمد وأصحابه من بعده .. قرآن رواه عليٌّ وزيد بن ثابت وابن مسعود وعثمان بن عفان رضي الله عنهم, رواه عنهم أهل السنة .. بسلسلة إسناد ذهبية سنية خالصة .. ثم من بعد يقدمون لنا صحيح السنة مرورًا بأدق التفاصيل في نقد الروايات والرواة, حتى صار علمًا مستقلاّ يسمى "علم الرجال" والذي حق لهم أن يفخروا به على مر الأزمان إذ لم يُسبقوا إليه, ولم ينافسهم فيه بين الأمم الحاضرة ولا الغابرة أحد ..
فحُقَّ لقوم هذا شأنهم أن ينادوا بالوحدة ويقودوا الركب تحت راية العلم والنقد والتثبت ..
أنا لست بصدد المقارنة بين فكرين - إن صح التعبير- وإلا لطال المقام, إذ أني أفضل الخروج من دائرة الجدال لأراقب من حيث أستطيع الحصول على نظرة كاملة لما يثار في هذه الآونة حول هذا الموضوع .. ولنتساءل الآن ماذا لو تم لهم ما أراد أصحاب منهج الرفض - أعني الشيعة - ماذا لو وافقناهم على دعاواهم الحذرة حينًا والمتطرفة الفجة أحيانًا أخرى - ماذا يملكون .. وماذا قدم أهل السنة .. ؟
وكذا سؤال لعلني أناقشه في مقام آخر, ولعله قد يراود البعض .. وهو: لم فقط تعلو هذه النعرات الداعية إلى التشيع عندما تكون أمتنا مهزومة أو في أزمة؟ وبالتحديد كلما اضطرمت نار حرب في بلاد المسلمين؟ ولم أراد أدعياء الديمقراطية فرضها بالقوة على العراق وليس على إيران؟ نعود إلى موضوع المقال ..
كما أسلفت .. فإن دعاة التشيع لو استقام لهم الأمر فلن يقدِّموا للإسلام شيئًا سوى هدم المباني التي شيدها أهل السنة ليُحصنوا الإسلام بها طيلة القرون الماضية كدينٍ مكتمل واضح المعالم ثابت الأركان .. وأنا أزعم أن كل الشيعة مطالبون بالانضمام إلى هذا الصرح لأنهم لو فعلوا فلن يخسروا شيئًا .. إذ أهل السنة لا يعادون أهل البيت ..
وفي المقابل فإن لديهم الكثير ليقدموه أقله العودة إلى الأصول التي سار عليها الأقدمون في نقد المرويات التي تنبني عليها الأفكار والمذاهب ..
حديثنا ذو شجون .. ولكن الأمر في الحقيقة أبسط من الطريقة التي يروج له بها .. وأيضًا قبل أن أنسى .. إذا لم يستطع الشيعة أن المسير في ركب أهل السنة, وإذا لم يحدث العكس، فما المانع من مواجهة الحقائق والإقرار بالاختلاف الواضح والبون الشاسع بين الفريقين؟ بدلا من التعمية السياسية التي ينتهجها البعض إما جهلاً أو تعمية على الأمة لأغراض سياسية قد يراها هو في إطار المصلحة العامة ورأب الصدع .. وأنا أقول: إذا أردنا أن "نتوحد" فمعنا هذا أننا لسنا "واحدًا" بادئ الرأي ..
ولو سلّمنا لما أقول فليس معنى هذا أنه إشعال لنار الفتنة وتحريض على العداوة، إذ ليس هناك ما يمنع من التحالف إذا كان لمصلحة الفريقين، وقد تحالف النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود ضد المشركين - بصرف النظر عن غدر اليهود به – وما أشبه الليلة بالبارحة!
لم لا تنادون بالتحالف بدلاً من الإصرار على التعمية والتزييف بدعوى أهل السنة والشيعة "واحد" .. إذ لو أرهفتم السمع قليلاً لسمعتم دعاوى القوم التي تعلو صارخة: "نحن لسنا كهم، ولا هم نحن"- هذا ما يقول أكابر وعلماء ودعاة القوم ..
إن في إغفالكم هذا خيانة للأمة, ولن يشفع حسن نية .. ولأكون واضحا فأنا أعني بكلامي الأخير الإخوان المسلمين ومن اهتدى بهديهم .. ليس تهجمًا ولا نقدًا لمجموع الفكر الذي يحملونه, لكن كسدِّ خلَّة ..
وكما يبدو لكم الآن فإن الحديث ذو شجون, ونلتقي ..
كتبه: أبو صالح المصري