تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما دلالة العقل على ذلك: فلأن الشيء لا تدرك كيفيته إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره المساوي له، أو الخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية ذات الله تعالى وصفاته، فتكون كيفية ذات الله وصفاته مجهولة لنا.

وأيضاً فإننا نقول: ما هي الكيفية التي تقدرها لذات الله تعالى وصفاته؟! إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، أو تنطق بها بلسانك فالله أعظم وأجل من ذلك، وإن أي كيفية تقدرها في ذهنك، أو تنطق بها بلسانك فستكون كاذباً فيها؛ لأنه ليس لك دليل عليها.

ورجوعا إلى حديث عبد الله بن مسعود وقول الحبر: إن الله يضع السماء على إصبع ... إلخ

فنقول:

هذا الضحك من النبي صلى الله عليه وسلم تقرير لقول الحبر، ولهذا قال ابن مسعود: تصديقا لقول الحبر، ولو كان منكرا ما ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم ولا استشهد بالآية، ولقال له: كذبت كما كذب الذين ادعوا أن الذي يزني لا يرجم، ولكنه ضحك تصديقا لقول الحبر وسرورا بأن ما ذكره موافق لما جاء به القرآن الذي أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

قوله: ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ. الآية: وهذا معنى الآية الذي لا تحتمل غيره، وأن السماوات مطويات كطي السجل للكتب بيمينه، أي: تبارك وتعالى، لأن ذلك تفسيره صلى الله عليه وسلم، وتفسيره في الدرجة الثانية من حيث الترتيب، لكنه كالقرآن في الدرجة الأولى من حيث القبول والحجة.

وأما تفسير أهل التحريف، فيقول بعضهم: (قبضته)، أي: في قبضته وملكه وتصرفه، وهو خطأ، لأن الملك والتصرف كائن يوم القيامة وقبله.

قول بعضهم: (السماوات مطويات)، أي: تالفة وهالكة، كما تقول انطوى ذكر فلان، أي: زال ذكره.

و (بيمينه)، أي: بقسمه، لأن الله تعالى قال: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ. {الرحمن: 26 - 27}. فجعلوا المراد باليمين القسم ... إلى غير ذلك من التحريفات التي يلجأ إليها أهل التحريف، وهذا لظنهم الفاسد بالله، حيث زعموا أن إثبات مثل هذه الصفات يستلزم التمثيل، فصاروا ينكرون ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته رسوله وسلف الأمة بشبهات يدعونها حججا.

فيقال لهم: هل أنتم أعلم بالله من الله؟

إن قالوا: نعم، كفروا، وإن قالوا لا، خُصموا، وقلنا لهم: إن الله بين ذلك أبلغ بيان بأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحبر على ما ذكر فيما يطابق الآية، وهل أنتم أنصح من الرسول صلى الله عليه وسلم لعباد الله؟ فسيقولون: لا.

فهذا الحديث فيه إثبات الأصابع لله -عز وجل- وأنها من الصفات الذاتية التي تليق بالله وعظمته، وفيه إثبات خمسة أصابع لله عز وجل وأن الله تعالى يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والشجر على أصبع، وسائر الخلق على إصبع، فهذه خمسة أصابع.

قال ابن خزيمة في باب إثبات الأصابع لله عز وجل بعد ذكر أحاديث الأصابع:

والصواب والعدل في هذا الجنس مذهباً، مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، واتفقوا على جهل من يسميهم مشبهة، إذ الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه ... كيف يكون مشبهاً من يثبت لله أصابع على ما بيّنه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم للخالق البارئ.

ونذكر السائل بما آل إليه حال من سلك مسلك أهل الكلام في الصفات فقد قال بعض العلماء: أكثر الناس شكّاً عند الموت أهل الكلام.

وقد رجع بعضهم قبل موته إلى مذهب السلف، ومنهم الرازي حيث قال:

رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: أقرأُ في الإثبات: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. {طه: 5} يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. {الشورى: 11}، وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا. {طه: 110}. ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

لأنه أقر قبل هذا الكلام، فقال: لقد تأملت الطرق الكلامية ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن.

قال الشيخ ابن عثيمين:

والحاصل أن هؤلاء المنكرين لما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل اعتماداً على هذا الظن الفاسد أنها تقتضي التمثيل قد ضلوا ضلالاً مبيناً، فالصحابة رضي الله عنهم هل ناقشوا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا؟ والذي نكاد نشهد به أنه حين يمر عليهم مثل هذا الحديث يقبلونه على حقيقته لكن يعلمون أن الله لا مثل له، فيجمعون بين الإثبات وبين النفي.

إذاً موقفنا من هذا الحديث الذي فيه إثبات الأصابع لله عز وجل أن نقر به ونقبله، ولا نقتصر على مجرد إمراره بدون معنى فنكون بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل نقرؤه ونقول: المراد به إصبع حقيقي يجعل الله عليه هذه الأشياء الكبيرة، ولكن لا يجوز أبداً أن نتخيل بأفهامنا أو أن نقول بألسنتنا: إنه مثل أصابعنا، بل نقول: الله أعلم بكيفية صفاته، بل نكل علمها إلى الله سبحانه وتعالى إلخ كلامه رحمه، وللمزيد يمكنك أيها السائل مراجعة: ودرء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، وتقريب التدمرية للشيخ ابن عثيمين، والقول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين، وقد اعتمدنا في جوابنا على ما ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في موقعه وبعض كتبه وهو رحمه الله كان له باع طويل في الرد على المخالفين وتقرير مذهب السلف أجزل الله له المثوبة ورحمه رحمة واسعة.

والله أعلم.

http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/S...ng=A&Id=122213 (http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/S...ng=A&Id=122213)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير