حَدَّث الإمام الزهري أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يوما وهو يخطب: أيها الناس استحيوا من الله، فوالله ما خَرَجْت لِحَاجَة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِيد الغَائط إلاَّ وأنا مُقنع رأسي حَياء مِن الله.
ووُصِف عثمان رضي الله عنه بأنه شديد الحياء ..
حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: أَلا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلائِكَةُ؟ رواه مسلم.
والحياء خَيْر .. ولا يأتي إلاَّ بِخير ..
قال عليه الصلاة والسلام: الحياء لا يأتي إلاَّ بِخَيْر. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحياء خَير كُله. قال: أو قال: الحياء كُله خَير.
وحِين مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ .. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الإِيمَانِ. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية: مَرّ النبي صلى الله عليه وسلم على رَجُل وهو يُعَاتِب أخَاه في الْحَياء يقول: إنك لتستحيي، حتى كأنه يقول: قد أضَرّ بِك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْه، فإن الحياء من الإيمان.
قال ابن القيم عن الحياء: هو أصْل كُلّ خَير، وذَهابه ذَهَاب الْخَير أجْمَعه. اهـ.
وصاحِب الحياء يَقودُه حياؤه إلى الجنة ..
قال ابن حبان: الحياء مِن الإيمان، والمؤمن في الجنة. اهـ.
ولَمَّا كان الحياء خُلُقا عالِيًا مِن أخلاق الإسلام وأهله، فقد جَعَله النبي صلى الله عليه وسلم شُعْبَة مِن شُعَب الإيمان، فقال: الإيمان بضع وسَبعون شُعبة، والْحَيَاء شُعْبة مِن الإيمان. رواه البخاري ومسلم.
وكما أن الْحَيَاء مِن الإيمان فإن رَحِيل الإيمان مِن القلب مرتبط برحيل الحياء!
قال عليه الصلاة والسلام: الْحَياء والإيمان قُرِنا جَميعًا، فإذا رُفِع أحدهما رُفِع الآخر. رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما. وصححه الألباني.
وفُسِّر لِبَاس التقوى بالحياء ..
قال تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) ..
وذلك لأنَّ الحياء يَحْجُز عن المعاصي .. وهو أحد معاني قوله صلى الله عليه وسلم: إذا لَم تَسْتَح فاصْنع ما شِئت. رواه البخاري.
قال ابن عبد البر: لفظ يقتضي التحذير والذم على قِلّة الحياء، وهو أمْرٌ في معنى الْخَبَر، فإنّ مَن لم يكن له حَياء يَحْجُزُه عن مَحَارم الله تعالى فَسَواء عليه فَعَل الكبائر منها والصغائر. اهـ.
قال ابن القيم: وبَيْن الذُّنُوب وبَيْن قِلَّة الحياء وعَدم الغَيرة تَلازُم مِن الطَّرفين، وكل منهما يَسْتَدْعِي الآخر ويَطْلُبُه حَثِيثًا. اهـ.
قال ابن حبان رحمه الله: الحياء اسم يَشْتَمل على مُجَانبة المكروه مِن الخصال، والحياء حياءان:
أحدهما: استحياء العَبد مِن الله جل وعلا عند الاهتمام بمباشرة ما خطر عليه.
والثاني: استحياء مِن المخلوقين عند الدخول فيما يَكرهون مِن القول والفعل معا.
والحياءان جميعا محمودان، إلاَّ أنَّ أحدهما فَرْض، والآخر فَضل؛ فلزوم الحياء عند مُجانبة مَا نَهى الله عنه فَرض، ولزوم الحياء عند مُقَارَفَة مَا كَرِه الناس فَضْل. اهـ.
ولا خير في وَجْه قَلّ حياؤه ..
إذا قَلّ مَاء الوَجْه قَلّ حَياؤه = ولا خير في وَجْه إذا قَلّ مَاؤه
حَياءك فاحْفَظْه عليك فإنما = يَدُلّ على وَجْه الكريم حَياؤه
ولأنَّ الْحَيَاء هو مَادَّة حَيَاة القَلب – كما يقول ابن القيم –.
وقديما قيل:
إذا لم تَخْش عاقبة الليالي = ولم تَستحي فاصْنع ما تَشاء
فلا والله ما في العيش خير = ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بِخير = ويبقى العود ما بقي اللحاء
وقليل الْحَياء في عِدَاد الأمْوَات .. !
قال ابن القيم: فَمَن لا حَيَاء فِيه مَيِّت في الدُّنيا، شَقِيّ في الآخِرة. اهـ.
فنعوذ بالله مِن ذَهَاب الْحَياء .. الذي يَموت بسببه القلب ..
وبَعْد هذا كله - فلا غَرابة إذاً .. أن يَكون الحياء هو خُلُق دِين الإسلام ..
قال عليه الصلاة والسلام: إنَّ لِكُلّ دِين خُلُقًا، وخُلُق الإسلام الحياء. رواه ابن ماجه، وقال الشيخ الألباني: حسن.
إلا أنَّ الحياء لا ينبغي أن يَحْجِب عن التَّعَلُّم والتَّفَقُه .. قالت عائشة رضي الله عنها: نِعْم النساء نِساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يَتَفَقَهن في الدِّين. رواه مسلم.
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[18 - 01 - 08, 11:12 م]ـ
بارك الله فيك اختاه سلمت يمينك
رزقنا الله جميعا هذا الخلق الكريم