ـ[عيد فهمي]ــــــــ[24 - 01 - 08, 11:56 م]ـ
المسألة الأربعون
في ضبط المقدمات التي يمكن الرجوع إليها في إثبات
المطالب العقلية
قال الإمام الفخر الرازي في آخر هذه المسألة:
(واعلم أن ههنا مقدمتين يفرع المتكلمون والفلاسفة أكثر مباحثهم عليهما:
المقدمة الأولى: مقدمة الكمال والنقصان. كقولهم: هذه الصفة من صفات الكمال فيجب إثباتها لله، وهذه الصفة من صفات النقصان فيجب نفيها عن الله، وأكثر مذاهب المتكلمين مفرعة على هذه المقدمة ...
وأما المقدمة الثانية: وهي مقدمة الوجوب؛ والإمكان وهذهلمقدمة في غاية الشرف والعلو وهي غاية عقول العقلاء. قالوا: الوجود إما واجب وإما ممكن والممكن لا بد له من واجب وكذلك الواجب لا بد أن يكون واجبا في ذاته وصفاته: إذ لو كان ممكنا لافتقر إلى مؤثر آخر.
أما المقدمة الأولى وهي أنه واجب لذاته: فهذا له لازمان:
الأول أن يكون منزها عن الكثرة في حقيقته ثم يلزم في ذاته أمور:
أحدهما أن لا يكون متحيزا؛ لأن كل متحيز منقسم والمنقسم لا يكون فردا وإذا لم يكن متحيزا لم يكن في جهة.
وثانيهما: أن لا يكون واجب الوجود أكثر من واحد ولو كان أكثر من واحد لاشتركا في الوجوب وتباينا في التعيين وما به الاشتراك غير ما به الامتياز؛ فيلزم كون كل واحد منهما مركبا في نفسه وقد فرضناه فردا هذا خلف.
اللازم الثاني: كون واجب الوجود لذاته لا يكون حالا ولا محلا وإلا لعاد الافتقار.) ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=745156#_ftn1))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(قلت: ولقائل أن يقول: هذا هو أصل الفلاسفة في التوحيد الذي نفوا به صفاته تعالى وهو ضعيف جدا. والأصل الذي بنوا عليه ذلك ضعيف جدا وإن كان اشتبه على كثير من المتأخرين: وقولهم: إن الواجب لا يكون إلا واحدا. قصدوا به أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام يقوم به ولا شيء من الصفات القائمة به؛ لأنه لو كان كذلك لكان الواجب أكثر من واحد كما يقوله المعتزلة إنه ليس له صفات قديمة قائمة بذاته؛ لأنه لو كان كذلك لكان القديم أكثر من واحد. ولفظ " الواجب والقديم " يراد به الإله الخالق سبحانه الواجب الوجود القديم فهذا ليس إلا واحدا ويراد به صفاته الأزلية وهي قديمة واجبة بتقدم الموصوف ووجوبه لم يجب أن تكون مماثلة له ولا تكون إلها كما أن صفة النبي ليست بنبي وصفة الإنسان والحيوان ليست بإنسان ولا حيوان وكما أن صفة المحدث إن كانت محدثة فموافقتها له في الحدوث لا يقتضي مماثلتها له وما ذكروا من الحجة على ذلك ضعيفة. فإذا قالوا: لو كان له علم واجب بوجوب العالم لكان الواجب أكثر من واحد. قيل له: ولم قلتم بامتناع كون الواجب أكثر من واحد؛ إذ كانت الذات الواجبة إلها واحدا موصوفا بصفات الكمال.
قولهم: لو كان أكثر من واحد لاشتركا في الوجوب وتباينا في التعيين وما به الاشتراك غير ما به الامتياز؛ فيلزم أن يكون كل منهما مركبا في نفسه؛ وقد فرضناه؛ فرد هذا خلق. يقال له في جوابه قول القائل اشتركا في الوجوب وتباينا في التعيين تريد به أن الوجوب الذي يختص كلا منهما شاركه الآخر فيه أم تريد أنهما اشتركا في الوجوب المطلق الكلي. والأول باطل لا يريده عاقل. وأما الثاني فيقال: اشتراكهما في المطلق الكلي كاشتراكهما في التعيين المطلق الكلي. فإن هذا له تعيين يخصه والتعيينان يشتركان في مطلق التعيين. وكذلك هذا له حقيقة تخصه وهذا له حقيقة تخصه وهما يشتركان في مطلق الحقيقة وكذلك لهذا ذات تخصه ولهذا ذات تخصه وهما يشتركان في مطلق الذات. وكذلك سائر الأسماء التي تعم بالإطلاق وتخص بالتقييد كاسم الموجود والنفس والماهية وغير ذلك. وإذا كان كذلك فمعلوم أنهما اشتركا في الوجوب المطلق وامتاز كل منهما بوجوبه بتعيين يخصه. وحينئذ: فلا فرق بين الوجوب والتعيين. فقول القائل: اشتركا في الوجوب المطلق وتباينا بالتعيين الخاص.
كقول القائل اشتركا في التعيين المطلق وتباينا بالوجوب الخاص. ومعلوم أن مثل هذا لا مندوحة عنه سواء سمي تركيبا أو لم يسم فلا يمكن موجود يخلو عن مثل هذه المشاركة والمباينة لا واجب ولا غيره وما كان من لوازم الوجود كان نفيه عن الوجود الواجب ممتنعا. وأيضا فالمشترك المطلق الكلي لا يكون كليا مشتركا إلا في الأذهان لا في الأعيان وإذا كان كذلك فليس في أحدهما شيء يشاركه الآخر فيه في الخارج؛ بل كل ما اتصف به أحدهما لم يتصف الآخر بعينه ولم يشاركه فيه؛ بل لا يشابهه فيه أو يماثله فيه. وإذا كان الاشتراك ليس إلا في ما في الأذهان لم يكن أحدهما مركبا في مشترك ومميز؛ بل يكون كل منهما موصوفا بصفة تخصه لا يشابهه الآخر فيها وبصفة يشابهه الآخر فيها وهذا لا محذور فيه. وأيضا فيقال: هذا منقوض بالوجود فإن الوجود الواجب والممكن يشتركان في مسمى الوجود ويباين أحدهما الآخر بخصوصه؛ فيلزم تركيب الوجود الواجب مما به الاشتراك ومما به الامتياز؛ فما كان الجواب عن هذا كان الجواب عن ذلك. و " أيضا " فيقال: هب أنكم سميتم هذا تركيبا. فلم قلتم إن هذا ممتنع على موجود من الموجودات واجبا كان أو ممكنا؟ مع أن المنازع يقول هذا المعنى الذي نفيتموه وسميتموه تركيبا هو لازم لكل موجود. قولهم: وقد فرضناه فردا. قيل: هب أنكم فرضتموه كذلك؛ لكن مجرد فرضكم لا يقتضي أن يكون فردا بالمعنى الذي ادعيتموه إن لم يقم على ذلك دليل.) ([2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=745156#_ftn2))
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=745156#_ftnref1) - الأربعين في أصول الدين (ص: 465 - 467).
[2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=745156#_ftnref2) - مجموع الفتاوى (12/ 229).
وكتبه
راجي رحمة ربه
عيد بن فهمي بن محمد بن علي الحسيني
عفا الله عنه
¥