تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومعرفة أسماء الربِّ وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذَّاكر والسامع؛ لأنَّه لا يدفعُ بالقدر أمراً ولا نَهياً، ولا يُبطل به شريعةً، بل يُخبر بالحقِّ المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوَّة، يوضحه أنَّ آدمَ قال لموسى: أتلومُنِي على أن عملتُ عملاً كان مكتوباً عليَّ قبل أن أُخلَق، فإذا أذنب الرَّجلُ ذنباً ثم تاب منه توبةً وزال أمرُه حتى كأن لم يكن، فأنَّبَه مُؤَنِّبٌ عليه ولاَمَه، حسُنَ منه أن يَحتجَّ بالقدر بعد ذلك، ويقول: هذا أمرٌ كان قد قُدِّر عليَّ قبل أن أُخلق، فإنَّه لم يَدفع بالقدر حقًّا، ولا ذكر حجَّةً له على باطل، ولا محذورَ في الاحتجاج به، وأمَّا الموضع الذي يضُرُّ الاحتجاجُ به ففي الحال والمستقبل، بأن يرتكبَ فعلاً محرَّماً أو يتركَ واجباً، فيلُومُه عليه لائمٌ، فيحتجَّ بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيُبطلُ بالاحتجاج به حقًّا ويرتكبُ باطلاً، كما احتجَّ به المُصِرُّون على شركهم وعبادتهم غير الله، فقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}، {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}، فاحتجُّوا به مُصَوِّبين لِمَا هم عليه، وأنَّهم لم يَندموا على فعله، ولم يعزموا على تركه، ولَم يُقرُّوا بفساده، فهذا ضدُّ احتجاج مَن تبيَّن له خطأُ نفسه وندم وعزَم كلَّ العزم على أن لا يعودَ، فإذا لاَمَه لائمٌ بعد ذلك قال: كان ما كان بقدر الله، ونُكتة المسألة أنَّ اللَّومَ إذا ارتفع صحَّ الاحتجاجُ بالقدر، وإذا كان اللَّومُ واقعاً فالاحتجاجُ بالقدر باطلٌ. . . ".

وقال الشيخ:والفرق بين المشيئة والإرادة أنَّ المشيئة لَم تأت في الكتاب والسُّنَّة إلاَّ لمعنى كونيٍّ قدَري، وأمَّا الإرادة فإنَّها تأتي لمعنى كونِيٍّ ومعنى دينِيٍّ شرعيٍّ، ومن مجيئها لمعنى كونيٍّ قدَري قوله تعالى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وقوله {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}

ومن مجيء الإرادة لمعنى شرعيٍّ قول الله عزَّ وجلَّ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، والفرقُ بين الإرادَتَين أنَّ الإرادةَ الكونيَّة تكون عامَّةً فيما يُحبُّه الله ويَسخطُه، وأمَّا الإرادةَ الشرعيَّة فلا تكون إلاَّ فيما يُحبُّه الله ويرضاه، والكونيَّة لا بدَّ من وقوعها، والدينيَّة تقع في حقِّ مَن وفَّقه الله، وتتخلَّف في حقِّ مَن لم يحصل له التوفيقُ من الله، وهناك كلماتٌ تأتي لمعنى كونيٍّ وشرعي، منها القضاء، والتحريم، والإذن، والكلمات، والأمر وغيرها، ذكرها ابن القيم وذكر ما يشهد لها من القرآن والسنَّة في كتابه شفاء العليل، في الباب التاسع والعشرين منه.

وقال الشيخ:وأمَّا الفرق بين النَّبِيِّ والرسول فقد اشتهر أنَّ النَّبِيَّ هو مَن أُوحي إليه بشرع ولم يُؤمَر بتبليغه، والرسولَ هو مَن أُوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه، لكن هذا التفريق قد جاء في بعض الأدلَّة ما يدلُّ على عدم صحَّته، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ}، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}، وذلك يدلُّ على أنَّ النَّبِيَّ مرسَلٌ مأمورٌ بالتبليغ، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} الآية، فهذه الآيةُ تدلُّ على أنَّ أنبياءَ بنِي إسرائيل من بعد موسى يَحكمون بالتوراة ويدعون إليها، وعلى هذا فيُمكن أن يُقال في الفرق بين الرسول والنَّبِيِّ: إنَّ الرَّسولَ مَن أُوحي إليه بشرع وأُنزل عليه كتاب، والنَّبِيَّ هو الذي أُوحي إليه بأن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير