تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنْ هنا يتبيَّنُ خَطَرُ الضلالِ في هذا البابِ؛ فإنَّهُ مَوْرِدُ هَلَكَةٍ، وَشَرَكُ شَبَكةٍ نصَبها الشيطانُ فاصطادَ بها مَنْ سبقَتْ لهم الشقاوَةُ، وحَقَّتْ عليهم الكلمَةُ؛ فاجْتالَهم عن الصراطِ المستقيمِ فَتَنَكَّبُوهُ، وأعْمَاهُم ـ بما زَيَّنَ لهُمْ ـ عن الحقِّ فلمْ يُبْصِرُوهُ.

وإذا تأمَّلْتَ جميعَ أبوابِ الدينِ التي ضلَّ فيها الضَّالُّونَ ـ منْ هذهِ الأُمَّةِ وغيرِها ـ وجَدْتَ أصلَ ضلالِهم الجهلَ باللَّهِ تعالى وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأحكامِهِ، وما يجبُ لهُ وما يتنزه عنه.

تعالى الله عما يقول الظالمون، ويأتفك المؤتفكون.

فمنهم من يزعم أن الله اتخذاً ولداً.

ومنهم من يدعي أن الله ثالث ثلاثة.

ومنهم من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله.

ومنهم من يفتري الكذب على الله ليضل الناس بغير علم، يتخذون دينهم لهواً ولعباً، فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويأكلون أموال الناس بالإثم وهم يعلمون.

ومنهم من يحادد الله ورسوله، ويستنكف ويستكبر عن عبادته، ويدأب في محاربة الله ورسوله، ومحاربة دينه وأوليائه، فبئس ما اختار لنفسه أن جرَّعها ذلَّ الخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون.

ومنهم من يخادع الله ورسوله والذين آمنوا، ويحسبون أنهم على شيء، والله محيط بما يعملون، ومجازيهم بما يقترفون.

ومنهم من جعل إلهه هواه، لا يطيع إلا إياه، ولا يبالي بأوامر الله ونواهيه.

وما ذاك إلا لسوء جهلهم بعظمة الله عز وجلَّ، وما يجب له من العبادة، والمحبة والتعظيم والإجلال والانقياد التام.

{وما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز}

{وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون}

وإذا تأمَّلَ العبدُ المؤمنُ أسماءَ اللَّهِ الحُسنَى وفَقِهَ معانِيَها ولوَازِمَها وآثارَها، واستقرَّ ذلكَ في قلْبِهِ وجدَ أسماءَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ تُنَادِي أبينَ النداءِ: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)

وكانَ مُجَرَّدُ تصوُّرِهِ لأقوالِ أهلِ الضلالِ ومذاهبهم كافياً في ردِّهِ ومعرفةِ بُطلانِهِ؛ لِمَا ترسَّخَ في قلْبِهِ منْ معْرِفَتِهِ بمُنَافَاتِهَا لحقائقِ أسماءِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ وصفاتِهِ وما يليقُ بهِ تعالى ذِكْرُهُ.

ولسانُ حالِهِ يقولُ كُلَّمَا بلَغَتْهُ مقالةٌ ضالَّةٌ منْ مَقَالاتِهِم: سُبْحَانَكَ هذا بهتانٌ عظيمٌ!

وقدْ أشارَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى هذا المنهجِ؛ الذي هوَ الاستدلالُ بأسماءِ اللَّهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى على بُطلانِ أقوالِ الضَّالِّينَ في آياتٍ كثيرة من الكتاب العزيز تصريحاً وتعريضاً.

وهوَ منْ أعظمِ المناهجِ نفعاً، وأحسَنِها وَقْعاً، وأسْلَمِها وألْصَقِها بالإيمانِ واليقينِ لمَنْ كانتْ لهُ بصيرةٌ ومعرفةٌ بأسماءِ اللَّهِ الحسنَى:

قالَ اللَّهُ تعالى: {قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [يونُس: 68 - 69].

فكونُه هو الغنيُّ ينفي أن يكونَ له ولدٌ، فإنَّ الاحتياجَ إلى الولدِ ينافي كمالَ الغِنَى، واللهُ عزَّ وجلَّ هو الغنيُّ الذي له الغنى الكامل المطلق من جميع الوجوه عن كل أحد بكل اعتبار فلا يمكن أن يحتاجُ إلى غيرهِ أبداً.

بل له كل ما في السماوات من خلائق لا يحصيهم إلا هو، ومن خزائن لا يعلم قدرها غيره، وله كل ما في الأرض من خلائق وخزائن، وكل شيء تحت ملكه وتصرفه وتدبيره، ولوشاء أن يخلق أضعافها وأضعاف أضعافها لم يعجزه ذلك وهو العليم القدير.

وتأمل قوله تعالى: {هو الغني} فهذا الأسلوب يسمى أسلوب الحصر في لسان العرب، أي هو وحده الغني الذي له كمال الغنى عن كل أحد من جميع الوجوه.

وفي ضمن ذلك غناه تعالى عن الصاحبة إذ لا يوجد ولد بلا صاحبة وإلا كان خلقاً من سائر الخلق كما قال تعالى: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة}

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير