فمن آمنَ بهذا الاسمِ وعرفَ معناهُ حقَّ المعرفةِ علمَ أنَّ ادِّعاءَ أولئكَ المدَّعينَ مِنْ أعظمِ الزُّورِ والبهتانِ، تعالى الله عمَّا يفترونَ علوًّا عظيماً، بل واستنكرها كل عضوٍ من أعضائه فيقف شعر رأسه، ويقشعر جلده، ويتمعر وجهه، ويشمئز قلبه، وينبو سمعه، وتحملق عيناه من هول هذه الدعوى العظيمة.
وهذا الإنكار في قلب المؤمن وجسده متلازم مع قوة المعرفة بالله تعالى وبأسمائه وصفاته، وشدة النفرة من هذه الدعوى الباطلة الظالمة.
وهذا نظير ما بينه الله لنا -في تصوير عظيم ترتجف له القلوب- من أثر هذا الافتراء على السماوات والأرض والجبال حتى كادت أن تتغير معالم الكون لولا لطف الله عز وجل وحلمه ورأفته بعباده المؤمنين الذين يستنكرون هذه المقالة الجائرة
قال الله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
وقالَ تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزُّمَر: 4].
فالواحد هو الذي لا مثيل له من جنسه، ولو كان له ولد لم يكن واحداً، وكونه القهار الذي له القهر المطلق ينفي أن يكون له ولد.
فتأمل أثر الإيمان بهذه الأسماء الحسنى في رد هذا القول الباطل الضال، ثم تأمل أثره في زيادة الإيمان في قلب المؤمن.
وقالَ تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يُوسُف: 39].
فكوْنُهُ الواحد القهَّار ينفي أنْ يكونَ لهُ شريكٌ، فمن آمن بأن الله هو الواحد القهار علم أنه لا يمكن أن يكون له شريك، ولا ينبغي أن يكون له يكون شريك.
وقالَ تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم} [المائدَة: 18].
فبَيَّنَ بُطلانَ زعْمِهِم بفِعْلٍ منْ أفعالِهِ ـ جلَّ وعَلا ـ وهوَ منْ آثارِ اسْمِهِ ((المَلِكِ)).
وقالَ في قارونَ: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} [القَصَص: 78].
وقالَ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النَّحْل: 52 - 53]؛
فأنكرَ عليهم عبادةَ غيرِهِ مُدَلِّلاً على ذلكَ بكونِهِ المُنْعِمَ المُغِيثَ؛ فهوَ الذي يَجْلُبُ لهم النعمَ، ويكشفُ عنهم الضرَّ، وغيرُهُ لا يملكُ لهم ضرًّا ولا نفعاً.
وقبلَ هذا قولُهُ تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} [النحل: 51 - 52].
وقالَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 38 - 40]؛ فأنكرَ عليهم مقالَتَهُم مُبَيِّناً لهم أنَّ حكمتَهُ تأْبَى أنْ يتركَ بيانَ الحقِّ الذي اختلفوا فيهِ وبيانَ كذبِ الكفارِ عليهِ؛ وهذا منْ آثارِ اسْمِهِ ((الحكيمِ))، وأرْدَفَ ذلكَ ببيانِ قُدْرَتِهِ تعالى على بعْثِهِم، وأنَّ ذلكَ لا يُعْجِزُهُ.
¥